يستحضر مشروع إنشاء النفق الجديد في حي الحجون التاريخي الموغل في القدم، وقفات ومحطات مهمة في تاريخ الحي الذي تفوح من أزقته نسائم ماضي مكة الجميل، حيث سجل المشروع خطوة ثالثة في محاولة ربط الحي بمركزية مكةالمكرمة، فيما كان ارتفاع الجبل يمثل حائلا أمام محاولات العبور المباشرة إلى داخل منطقة ما حول الحرم المكي. ويذكر علي سالمين أحد أقدم سكان الحي، أن والده أدرك سجناء كانوا يعملون يوميا لفتح الطريق تحت مظلة المحاسبة قبل العهد السعودي، الأمر الذي فتح نافذة أمل في عبور الجبل الشاهق، إلا أن الفتح الحقيقي كان في عهد الملك عبدالعزيز عندما أمر بفتح الجبل تسهيلا للحجاج والمعتمرين، فيما جرى إنشاء الجسر كأقدم جسور مكةالمكرمة في التسعينات الهجرية. نزع قناع الحجون الحراك المعماري الجديد، دفع منطقة الحجون لأول مرة منذ 70 عاما من عمرها التاريخي، إلى نزع قناعها القديم لتتحول من العشوائية إلى مركزية تلامس ساحات الحرم المكي، حيث يتواصل العمل هذه الأيام لإزالة أكثر من 50 عقارا من مجموع 350 عقارا صدرت أوامر سامية بنزع ملكيتها لصالح فتح نفق يربط ساحات الحرم بأحد أهم الأحياء السكنية للمعتمرين والحجاج. وتتحرك أكثر من 200 آلية لهدم الصخور ونقل مخلفات الأنقاض على طول الشارع الرئيسي، وبعمق يصل إلى أعلى جبل دفان وبطول 300 متر، إذ إن مشهد الحي التاريخي في حلته الجديدة، بات حديث سكانه بعد إزالة نسبة كبيرة من المنازل المهجورة والقديمة، التي تورد كتب التاريخ والسير أن أول من مهدها هو الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، ثم الخليفة عبد الملك بن مروان ثم المهدي العباس، إلى أن جرى تمهيدها أخيرا في العهد السعودي، وأصبح الطريق المعبد يربط بين غرب مكة وشرقها، وحجزت جانبي الجبل بجدار أقيم بشكل هندسي جميل لمنع تساقط الأحجار. عبدالله الثبيتي، ممن أفنى عمره داخل الحي ويرفض مغادرته، تحدث إلى «عكاظ» قائلا: أتحسر على الماضي الجميل في الحجون، وأتذكر مقاهي أبو رزق، عنيبر، جبران، حمودة، بن قبا، السيد علي، وعبد الله مياه، إضافة إلى قهوة السيد مساوا التي كانت ملتقى لأعيان ووجهاء الحجون، وكانت تحف بها الكراسي الفاخرة والجلسات الزاهية، فيما كانت قهوة حامد شلبي مظلة للفقراء. من المقاهي إلى الأبراج ويشير الثبيتي إلى أن مقاهي الحجون لم تكن مجرد مقاهٍ بل أشبه بفنادق، إذ تتحول آخر الليل إلى أسرة نوم في الهواء الطلق، حيث تحتضن الغرباء، أهل البادية، المزارعين، أصحاب الماشية، وأصحاب الحاجات ممن أجبرتهم ظروفهم على دخول مكة، لكن هذه المقاهي أزيلت تدريجا إلى بدايات عام 1405ه حيث أزيل آخرها، ويسترجع علي سالمين ذكريات وجود أبرز المقار الحكومية في الحجون مثل مقر مرور الذي كان بقيادة حامد أبو ناصر. حي المدابغية وتحتضن منطقة الحجون حي (المدابغية) الذي يعد من أقدم الأحياء في مكة، والذي بني على أنقاض مجرزة قديمة لم يكن أهالي مكة يعرفون غيرها، وتتميز بانتشار روائح أشجار العرعر والشبت مع روائح الجلود، وهو حي بني على هذه الصنعة المكية التي اندثرت ولم يعد لها أثر في مدينة عرفت بالتقاء الصناعات والثقافات؛ كونها مظلة لقاء لكثير من الجاليات الوافدة. ويمتد حي المدابغية الواقع بين (جبل السيدة) المطل على مقابر المعلاة، إلى كراج عبدالحليم على يمين النازل من طريق الحجون، ويرى عمدة الحي التاريخي أمجد خضري الذي يواجه أول توسعة منذ أكثر من 50 عاما، أن الإزالة الجديدة تعتبر الثانية في تاريخها. وتشير مصادر تاريخية إلى أن الحي القديم كان يغلب عليه بناء الأكواخ، وكان ملتقى للمغاربة والتونسيين ممن عملوا في دباغة الجلود واستقروا في الحي بعد أن اشتروا مساكن من أبناء قبيلة لحيان. وأوضح عمدة الحي أمجد خضري، أن نسبة الإزالة في الحي بلغت 10 في المائة، وتمثل منطقة لعمائر خربة كان يسكنها بعض العمالة الوافدة، مؤكدا أن 20 في المائة من المنازل المزالة كانت بيوتا مهجورة، في حين أن أغلب مساحات البيوت في الحجون لا تتجاوز مساحاتها 150 مترا، ومن بين العقارات المزالة مسجد سعيد عبدالحق الذي أنشئ قبل 55 عاما. وتشير مصادر مطلعة إلى أن عدد العقارات المزالة تقدر بأكثر من 380 عقارا، في حين ألهبت مشاريع فتح النفق الجديد في الحي للمشاة سوق العقار، حيث ارتفعت الأسعار إلى معدلات غير مسبوقة في تاريخ المناطق السكنية التي يزيد عمر عقاراتها على 50 عاما بنسبة 100 في المائة، فيما ألقت أزمة الإسكان بظلالها لتأزم موقف المستأجرين في هذه الأحياء. ويعتقد عبدالله الشاوي (عقاري) أن أسعار العقار في الحجون ستتجاوز ال70 ألف ريال للمتر الواحد، في الوقت الذي كان السعر المتداول ما بين 30 إلى 35 ألف ريال على الشارع العام، مضيفا أن أغلى سعر للعقار زاد سعره على 70 مليون ريال بمساحته 3600 متر مربع، فيما يرى محمد الحمدان (عقاري) أن سعر المتر المربع على شاعر العتيبية العام، يتراوح قبل الإعلان عن المشاريع الجديدة ما بين 15 إلى 20 ألف ريال، فيما يتوقع أن يزيد سعره على 40 ألف ريال بعد الإعلان، في ظل احتضان الحي ل100 منزل مهجور، و600 فناء غير صالحة للسكن. من جهته، يؤكد محمد عبد القادر مغربي، أنه يسكن الحي منذ عشرات السنين، الذي يضم أكثر من 50 مدبغة يعود تاريخها إلى أكثر من 300 عام، وأضاف أن المغاربة ممن قدموا إلى مكةالمكرمة هم من أشهر من اشتغلوا في هذه الصناعة، إذ كان لكل صاحب مدبغة منزل إلى جواره، وكانت الجلود تجلب من مسالخ مكة ثم تدبغ بقشر الرمان وأشجار الشبت والعرعر، التي تجلب من جبال الهدا في الطائف. ويعتبر مسجد أبي ترابة أحد معالم الحي الباقية، إذ بني قبل 200 عام، وكان لبناء هذا المسجد قصة رواها ل «عكاظ» أحد كبار سكان الحي عبد العزيز صالح زيني، حيث كشف أن المسجد ارتبط بتاجر هندي قدم للحارة لشراء كميات كبيرة من الصوف المنزوع من الجلود، ونذر لله بناء مسجد إذا كسب في تجارته، وذلك ما كان. بين الأمس واليوم وأوضح ل «عكاظ» عضو اللجنة المشرفة على توسعة الساحات الشمالية المهندس عباس قطان، أن فتح النفق لربط الساحات الشمالية للحرم المكي بأحياء الحجون، العتيبية، وحلقة البياري، بطول يتراوح ما بين 1500 إلى 1700 متر يربطهما نفق للطوارئ، وأشار إلى أن النفق سيخصص للمشاة المتجهين للحرم المكي. ويشهد الحي في وقته الراهن كثافة سكانية من الوافدين العاملين في سوق العتيبية، وهو أشهر أسواق العاصمة المقدسة المتخصصة في بيع الملابس النسائية، فيما تظل مساكن حارة المدابغية ملاذ الخادمات الهاربات. الحجون اليوم، يواجه السكان فيه أزمات حقيقية، تعكر عليهم صفو العيش بعد كل تلك السنين، حيث تسبب غياب إدارة الإزالة في بروز أهم تلك المعكرات، وهي المباني المهجورة التي شكلت ملاذا وملجأ يجذب المتسولين والمخالفين، إضافة إلى تدني مستوى النظافة، طفح مياه الصرف الصحي إلى حدود الشارع العام، بروز خطر فتحات خزانات المباني المزالة، وإهمال كيابلها الكهربائية.