كدت أصرخ مثل أرخميدس: (وجدتها.. وجدتها)، لولا أني تذكرت بأنني لست مكتشف النظرية الذهبية التي تحل عقدة السكن من جذورها، فهذه النظرية وردت دون قصد في سطر عابر من رسالة طويلة للأخ المحامي نضال البلوي، أرسلها مطالبا العبد الفقير لله بأن يكتب (مقالا صاروخيا) حول الأزمة الإسكانية، والحقيقة أنني مهما حاولت أن أكتب عن مشكلة الإسكان، فإنني لن أستطيع التعبير عن الأفكار المهمة التي طرحها البلوي بوعي ورشاقة تستحق كل الإعجاب، فقد سيطرت أفكاره (الصاروخية) على مخيلتي إلى درجة أنني فكرت بنشر رسالته كما هي، خصوصا أنها لا تحتاج إلى أي إضافة أو تعديل. يقول البلوي إن مجتمعنا سقط ضحية الجشع بسبب الاستحواذ على الأراضي وسوء التخطيط، حتى أصبح أفراد الأسرة يعانون من هشاشة العظام والسمنة بعد حبسهم في شقق صغيرة ذات إيجار مرتفع، وهو يرى أنه وحتى إذا حاولت الأسرة التنزه والتحرك في الهواء الطلق، فإنها سوف تعاني من جشع تجار المنتزهات!، كما أن التعقيدات الكبيرة التي مر بها مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة جعلت تحرك الأطفال والنساء في الشارع مسألة لا تخلو من المخاطر، وأصبحت كل أسرة بحاجة إلى (حوش) كي يستطيع أفرادها تحريك أطرافهم المعطلة. وهنا شعرت بأنني أعاني من (ضغط المساحة) وأنا أقرأ رسالة البلوي، لذلك فكرت بإكمالها في البر كي أتخلص من حالة الضيق التي أعيشها في بلد مترامي الأطراف، تفوق مساحته مجموع مساحات جميع الدول المجاورة له، ولكنني قلت لنفسي: (يا ولد.. الضيق في القبر.. وخلنا نكمل رسالة نضال حتى النهاية). تحدث نضال عن البيوت الصديقة للبيئة ذات التكلفة المنخفضة، ولكنه أكد لي أن هذه الفكرة يستحيل تطبيقها في بلادنا مراعاة لمشاعر تجار الحديد والأسمنت!، ثم شرح لي فكرة الشقق الطابقية، حيث تتوفر في كل دور شقة طابقية تخدم ثلاث شقق وتوفر الشمس والهواء ومساحة اللعب والحركة، ولكنه أكد أن الحلول (العمودية ) مرفوضة أيضا لأن تجار العقار عندنا (أفقيون) إلى ما لا نهاية، وذكرني بأحياء الرياض التي لا تكاد تميزها من بعضها لفرط تشابهها، وبيوتها التي تحولت إلى مربعات أسمنتية خالية من دلالات الحياة، وأنا أوافقه على ذلك لأنني رغم (تسكعي) الدائم في الرياض ما زلت أشعر وكأن أحياءها غير حقيقية، بل تم تكرارها بتقنية الفوتوشوب!، بل إنني أقترح على أي شخص أن يصعد برج المملكة ويشاهد أحياء الرياض من الأعلى ليتأكد أنه أمام أكبر شبكة مربعات صامتة في العالم. بصراحة، كانت رسالة المحامي البلوي ثرية جدا، وأشك في أنني أستطيع كتابة (مقال صاروخي) يوازي حجم الأفكار المهمة التي طرحها بكل سلاسة، ولكن ما استوقفني طويلا هو سطر ورد في منتصف الرسالة يقول فيه إنه فكر بشراء قطعة أرض يبني عليها بيت العمر في حي هامشي عرف بنقص الخدمات والازدحام الشديد، فوجد أن قيمتها (650 ألف ريال)، ما دفعه للوصول إلى نظرية جديدة، وهي أن يخطط للعيش والعمل في بلاده ثم التقاعد في الخارج!، حيث قرر استثمار (تحويشة العمر) في شراء فيلا أو شقة راقية في حي متكامل الخدمات في إحدى الدول العربية المجاورة يعيش فيها مع أولاده بعد التقاعد!.. وعند هذا السطر بالذات تملكتني روح أرخميدس، وبدأت الفكرة الذهبية (تطفو) في دماغي، فإذا كان أرخميدس قد اكتشف نظرية الطفو بالصدفة، فإنني اكتشفت حل مشكلة السكن بسبب صديقنا نضال، لذلك لن أضيع وقتي في تحويل رسالته الجميلة إلى (مقال صاروخي)، بل سوف استثمر الوقت والمال كي أفعل مثلما فعل!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 211 مسافة ثم الرسالة