تظل تنمية الصناعة السعودية للمساهمة في تحقيق هدف تنويع مصادر الدخل خيارا استراتيجيا لا حياد عنه. ولأن المدن الصناعية في المناطق هي الأساس الذي تنطلق منه التنمية الصناعية، كان علينا أن نبحث عن أحوال تلك المدن لمعرفة حالة الصناعة لدينا ومدى قدرة المصانع على تحقيق الاستراتيجية الصناعية التي وضعتها الدولة، وبحث المعوقات التي تعترض سبيل انطلاق المصانع والصناعيين. اللافت أننا حينما بحثنا هذا الأمر مع عدد من الصناعيين وكان سؤالنا الأساس لهم: ما الصعوبات والمعوقات التي تواجه الصناعة السعودية؟ فوجئنا بقائمة من الصعوبات لها بداية ولكن لم نستطع الوقوف على نهايتها، بدءا من البنية التحتية المتردية في المدن الصناعية، طول الدورة الإجرائية للحصول على التراخيص اللازمة لكثرة الاشتراطات، ضعف الدعم، خصوصا للمصانع الصغيرة، صعوبة الحصول على تمويل من البنوك لكثرة الاشتراطات المطلوب توافرها للرهون، وصعوبة الحصول على عمالة. ولفت الصناعيون إلى أنه رغم كثرة المعوقات فإن الصادرات السعودية غير البترولية، ومعظمها منتجات صناعية، استطاعت وفقا لتقديرات مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما»، أن تصل قيمتها في العام 2010م إلى 124 مليار ريال، بزيادة نسبتها 14 في المائة عن العام السابق. بعد أن تجولت «عكاظ» في المدن الصناعية والتقت الصناعيين كان لزاما علينا أن ننقل المعاناة التي رصدتها لمدير عام هيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة فكان هذا الحوار الهاتفي الذي أبدى فيه صراحة وشفافية غير مستغربة عليه: الدكتور الربيعة وعد بإنهاء كافة مشكلات المدينة الصناعية الثانية في جدة، كما كشف عن طرح أراض في المدن الصناعية بنظام يمنع المضاربة فيها أو عليها .. وإلى تفاصيل الحوار: رابغ في الخطة • تسلمتم أرضا مساحتها 75 مليون متر مربع منذ عام لإنشاء المدينة الصناعية في رابغ عليها، حسب إفادة رئيس بلدية رابغ، ما مصير هذه الأرض؟ سيتم تطوير تلك الأرض في مرحلة لاحقة، وبدأنا الآن تنفيذ المدينة الصناعية الثانية في جدة، وكذلك بدأنا تخطيط المدينة الصناعية الثالثة في جدة، التي تقع مقابل المدينة الصناعية الثانية ومساحتها 20 مليون متر2، وتم طرح مشروع الرفع المساحي لها وتم فتح مظاريفه. أما ما يتعلق بالأرض الواقعة في مدينة رابغ فهي في خطتنا المستقبلية، نريد الآن أن ننجز ما في أيدينا، خصوصا أن لدينا مشاريع كبيرة، نحاول ترتيبها كأوليات، ورابغ في خطتنا بالتأكيد، علما أن الهيئة تقوم بتطوير الأراضي الصناعية الجديدة وفق خطط مدروسة واستراتيجية واضحة تحدد أولوية التطوير من حيث المساحة والموقع وفق قاعدة البيانات المتوافرة لدى الهيئة بطلبات واحتياجات المستثمرين من الأراضي الصناعية. مدينة نموذجية • لكن رابغ جاهزة من حيث قرب الخدمات وسهولة الوصول إليها، وتعتبر قريبة للمصانع الواقعة في شمال جدة، وكذلك لا ننسى دور هذه المدينة المتوقع في تنمية المنطقة؟ لدينا مدينة رابغ الصناعية لتقنيات البلاستيك كمدينة صناعية خاصة تشرف عليها الهيئة وهي ملاصقة لمشروع بترورابغ وسنعود لاحقا للأرض التي تتحدث عنها، كذلك توجد مدينة الملك عبد الله الاقتصادية والتي يتوافر بها أراض صناعية، وكذلك توجد أراض صناعية من بلدية رابغ، ولكن نجد أن جدة في حاجة عاجلة لمعالجة توفر الأراضي لذا بدأنا في جدة لحل أزمتها. • بالنسبة لجدة الثانية، حسب دليل المشروع الموجود في موقع الهيئة الإلكتروني فإن مدة المشروع 36 شهرا بدأت منذ 10/10/2008 ومن المفترض بحسب موقعكم أن تنتهي البنية التحتية بعد تسعة أشهر، وفق المعطيات الموجودة على الأرض، هل تتوقع أن تنتهي المدينة في التاريخ المحدد لها؟ التاريخ المذكور هو لأحد المشاريع ويوجد في المدينة الصناعية حاليا خمسة عقود للبنية التحتية والكهرباء والخط الرابط والمياه، ونتوقع أن تنتهي الكثير من أعمال البنية التحتية قبل نهاية هذا العام، حيث تم الانتهاء من أعمال شبكات تصريف المياه الجوفية والسطحية وأكثر من 60 في المائة من أعمال القطع والردم الترابي وتسويات الطرق وطبقات الأساس الترابية وأعمال الرش والدك، وهناك شوارع بدأت سفلتتها، وكذلك الطريق الرابط للمدينة الصناعية في طريق جدة الليث السريع في مراحل متقدمة. القضية أن تلك الأعمال مشاريع البنية التحتية تأخذ وقتا طويلا في التنفيذ، وما يتم تحت الأرض يستغرق وقتا طويلا ولا يمكن مشاهدتها بعد تنفيذها. • دكتور .. الشوارع التي تتحدث عنها وتم الانتهاء من سفلتتها مسافات قصيرة ولا تتعدى شارعا أو شارعين، فأين البقية ولم يتبق إلا تسعة أشهر كيف تريدون المصانع أن تبدأ والخدمات معدومة؟ كما ذكرت هناك عدة مشاريع وبالتأكيد أن نسبة كبيرة منها سوف تنجز هذا العام، وكما ذكرت أعمال البنية التحتية تستغرق وقتا طويلا تحت الأرض، وأعمال السفلتة لا تمثل سوى 15 في المائة تقريبا من أعمال إنشاء الطرق. عقد ال 600 مليون • بالنسبة لإنشاء شبكات المياه والصرف الصحي والصرف الصناعي والري ومحطة معالجة المياه، أعلنتم أنكم وقعتم عقدا بقيمة 600 مليون ريال، لكن حين زيارتنا للمدينة لم نشاهد على الطبيعة سوى بعض المواسير القريبة من سطح الأرض وبعض الأخاديد المحفورة لتكون مجاري لتصريف المياه، هل هذه الحفريات والمواسير الممدة قيمتها 600 مليون؟ تم التعاقد مع شركة متخصصة لتنفيذ المشروع بنظام ال BOT، وهي الآن ترفع المخططات وتعمل التصاميم اللازمة ومن ثم تبدأ التنفيذ، وسوف ينفذ هذا المشروع بشكل تدريجي حسب احتياجات المصانع لأن طبيعة مشاريع المياه تأخذ وقتا، نحن لدينا عقود واضحة، وفيها مدد محددة يتم استكمال المشروع فيها خلالها. المضاربة في الأراضي • يخشى بعض الصناعيين من دخول غير الجادين الذين يحصلون على أرض، ثم يعطلونها بالبناء عليها بنسبة معينة أو يتوقفون لحين اكتمال المدينة للمضاربة وبيعها بأسعار خيالية، «عقاريون وليسوا صناعيين»، وهذا الأمر حدث في المدينة الصناعية الأولى في جدة حين بدأ العقاريون في بعض الأراضي التي تم تخصيصها لهم على أنها صناعية بأسعار خيالية، هل راعيتم في صياغة العقود مثل هذه الحالات؟ ملاحظتك جيدة .. ونحن وقعنا عقودا محددة المدة ولا نسمح فيها ببيع الأراضي أو التنازل عنها، نحن نبحث عن الجادين فقط، وما حصل في «جدة 1» من التاريخ، ونحن الآن لدينا عقود واضحة ومدققة وفيها مدة محددة، ولن نسمح لغير الجاد أن يحجز أرضنا لفترة طويلة، إضافة إلى أننا لدينا الآن نظام لقابلة المستثمر ونتأكد أن فكرة المشروع لديه واضحة بالنسبة له، ولديه خطة عمل.. هذه الأرض وضعت للصناعة وليست منح يتم توزيعها. رسم التخصيص • يتساءل كثير من الصناعيين عن رسم تخصيص الأراضي الصناعية في جدة الذي يصل 50 ريالا، في حين أن بقية مناطق المملكة تتراوح أسعار التخصيص فيها بين الأربعة والعشرة ريالات، لماذا جدة مختلفة عن البقية؟ هل جدة ليست من مناطق المملكة؟ ال50 ريالا هذه التي يتم دفعها لتغطية جزء من تكاليف مشروع البنية التحتية للمدينة الصناعية التي يتم عملها بتمويل ذاتي، الهدف منها المساهمة في تخفيض الكلفة وحل أزمة الصناعيين، نحن نريد أن نفك أزمة ولا نريد أن نحمل الصناعيين أي تكاليف إضافية، لكن هذا المتاح لدينا كتمويل ذاتي، تأكد أننا نريد أن ندعم الصناعة متى ما توفر التمويل ونجاح الصناعيين نجاح لاقتصاد المملكة. تسعير الخدمات • هناك نقطة أخرى وهي أن الخدمات المقدمة في «جدة 2» هي من قبل شركات استثمارية تبحث عن الربح، وهو ما يجعل كثيرا من الصناعيين يتساءلون كم ستكون أسعار هذه الخدمات، خصوصا إذا كانت شركة تسكين العمالة بدأت في الإعلان عن أسعارها التي تعتبر خيالية، إذ أنهم يطلبون 720 ريالا لتسكين العامل في مساحة لا تتجاوز 3.75 متر مربع مع ثلاث وجبات، فكم ستكون أسعار التبريد والمياه إذا سلمنا أن سعر الكهرباء ثابت كبقية مناطق المملكة؟ استغرب أن يكون تم تحديد مثل هذا السعر، وعلى كل حال نحن سنخصص أراضي إضافية لتسكين العمالة، ولا نريد احتكارا من أحد، نريد أكثر من مستثمر في مجال تسكين العمالة بحيث يكون لدى أصحاب المصانع عدة خيارات في تسكين العمال. • وماذا عن أسعار التبريد يتوقع أن تكون خيالية؟ نحن حريصون جدا أن تكون أسعار التبريد في متناول الجميع ومنافسة ومعقولة جدا، وميزة التبريد المركزي أنه سيحمي البلد من كثير من التلوث ويستهلك طاقة أقل، وحسب الاتفاق ستكون أسعاره منافسة ومشجعة، ومقاربة جدا لتكلفتها الحالية. • وماذا عن أسعار المياه هل ستكون مدعومة؟ لن تختلف عن الموجود حاليا في المدينة الصناعية الأولى في جدة، وستكون مثلها أو أقل مع مراعاة أن تكون محفزة للجميع. عودة لرابغ • دعنا نعود لرابغ مرة أخرى، فقد أعلن مستثمرون من خلال «عكاظ» أنهم مستعدون لتطوير واستغلال المنطقة وإنشاء المدينة الصناعية وتسويقها لمدة 30 عاما ومن ثم تعود لهيئة المدن الصناعية، ما ردكم عليهم؟ منطقة رابغ من ضمن خطتنا، لكن في الفترة الحالية لدينا طلبات كثيرة في مختلف مناطق المملكة، وكما قلت لدينا 16 مدينة صناعية جديدة في مناطق عدة من المملكة، والحمد لله حلينا أزمات، ولازلت الأراضي متوافرة في جدة الثانية، ونريد أن نفتح باب الطلبات في جدة الثالثة، أما رابغ فكما قلت لدينا مدينة صناعية مجاورة لشركة بترو رابغ غير المنطقة المحددة ب75 مليون متر مربع، وكذلك توجد المناطق الصناعية في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية وتوجد أراض صناعية تابعة لبلدية رابغ. وما أريد قوله إن إنجازات الهيئة التي تمت في ثلاث سنوات تفوق ما حصل في 40 عاما ماضية، وسنضاعف هذه الإنجازات خلال السنوات الخمس المقبلة، وكل هذا يعتبر إضافة جديدة للصناعة، حلينا الكثير من مشكلات المدن الصناعية، وزدنا اهتمامنا بأعمال النظافة، فمثلا ضاعفنا تكلفة عقد الصيانة والنظافة في جدة الأولى، وقبل أسابيع استلم مقاول النظافة الجديد مما سوف يساعد على تطور خدمات النظافة هناك بشكل ملحوظ خلال الأسابيع القليلة المقبلة.. كذلك أضفنا خدمات مياه الشرب للمدينة الصناعية في جدة وغطينا جزءا جيدا منها ونسكملها قريبا. النظافة والصيانة • دعني أخالفك الرأي حول النظافة، فالواقع يقول غير ذلك، أكوام النفايات منتشرة في بعض مناطق المدينة الصناعية في جدة، ومستنقعات مياه الصرف الصحي موجودة، والحفر والمطبات كذلك، خصوصا في المراحل 3 و4 و5 فأين الصيانة والنظافة التي تتحدث عنها؟ بالنسبة لما ذكرت أن هناك عقدا جديدا للصيانة والنظافة بضعف تكلفة العقد القديم لتحسين مستوى النظافة، وقد استلم المقاول حديثا الموقع وسوف يجد الصناعيون هناك تحسنا كبيرا خلال الفترة المقبلة في مستوى النظافة. • ماذا عن إعادة تأهيل المدينة الصناعية الأولى في جدة؟ بالنسبة لتأهيل المدينة الصناعية الأولى في جدة فإن هناك عددا من المشاريع يجري تنفيذها ويتوقع الانتهاء منها خلال العام الجاري وتقدر تكلفة كامل مشاريع التأهيل ما يزيد عن 160 مليونا.. طبعا لم يتم تحديث البنية التحتية في المدينة الصناعية بشكل يذكر خلال ال35 سنة الماضية. ولكن هذه المشاريع عند اكتمالها في نهاية العام المقبل سوف تحدث نقلة نوعية كبيرة في المدينة الصناعية الأولى في جدة. • دعني أذكركم بعبدالله ميمني الذي اشتكى لكم قبل أكثر من ستة أشهر من كثرة الحفر في شوارع المرحلة الرابعة التي ما زالت كما هي، هل يعقل أن صيانة الطرق تستغرق ستة أشهر؟ نطمئنه أننا تعاقدنا بمبلغ 160 مليونا لتحديث البنية التحتية، كما ذكرنا سابقا، وسيتم تغطية المدينة الصناعية بكافة مراحلها، ولكن هذا يستغرق بعض الوقت. المصانع المكشوفة • دعنا ننتقل لموضوع آخر وهو اشتراطكم على أصحاب المصانع، خصوصا في صناعية جدة الثانية، أن يكون السور المحيط بالمصنع عبارة سياج مكشوف من الحديد وهو ما يجعل المكائن والأجهزة داخل المصنع عرضة للتلوث بالغبار والدخان وغيرها ويسرع في عطبها.. لماذا هذا الاشتراط؟ أولا نحن نتحدث عن الأسوار وليس مبنى المصنع، والأسوار بالنظام الجديد هو النظام العالمي المطبق في الدول المتطورة والذي يكلف أقل ويحقق أعلى أمان وشفافية وجمال للمدينة الصناعية، ونحن لم نشترط هذا الأمر عبثا، وإنما هناك دواع للأمن والسلامة بالتنسيق مع الجهات المعنية. • عدد المصانع خارج المدن الصناعية أكثر من التي داخل المدينة الصناعية ما يتسبب في تلوث وازدحام ومشكلات كثيرة، هل هناك آلية لنقل هذه المصانع إلى داخل المدن الصناعية؟ نحن نرحب بكل الصناعيين الذين يرغبون في تخصيص أراض لهم داخل المدن الصناعية، ولكن ليس من صلاحياتنا إجبار أحد على نقل مصنعه، وهذا الأمر من اختصاص البلدية.