يضج نهار أم رقيبة بالبشر والإبل رغم هدوء الصحراء طيلة خمسة أسابيع في تظاهرة سنوية كرنفالية تحتفي بثقافة سكان الجزيرة العربية البدو ومعشوقتهم الإبل على أنغام القصائد من جهة والمزايدين في شراء الإبل وسط السوق من جانب آخر. وعندما يرخي الليل سدوله تتسلل رائحة الهيل والحطب من بين الخيام معلنة ليلا صحراويا ساحرا، يرقص القصيد على الشفاه وتقلب الذكريات مع كل جمرة تنقل في الموقد أو «الضو». تتناثر الخيام في الصحراء تتوسطها المواقد وتعلوها الإضاءات الصفراء والبيضاء، ليتحول المشهد إلى أشبه بقطعة قطيفة سوداء نثرت عليها قطع الذهب الأصفر والأبيض دون ترتيب. يعلن البرد القارص دخوله دون إذن بعد أن سحبت الشمس دفئها، وتزداد الملابس غلاظة، ويقترب المجتمعون في الخيام إلى بعضهم البعض على عكس فرقة النهار وتضيق دائرة التجمع دون زحام داخل الصدور بل تبقى أكبر وأكثر اتساعا للذكريات والقصص الشعبية وأبيات الشعر والفكاهة. يلقي محمد بن حطاب بين يدي الحضور قصيدة عن الكرم والشهامة ومعاني الرجولة الحقيقية واحترام الناس، ويلقى إشادة جماعية وتتواصل الردود والتعليقات. يروي محمد علاقته بالشعر: «بطبيعتنا الشعر جزء مهم من حياتنا ولا بد أن يكون حاضرا في مجالسنا شبه يوميا رغم مشاغل الحياة». فارس وسلمان رفيقا محمد يسترجعان معه ذكرياتهم، بينما يتوسط المكان الجمر والحطب ودلال القهوة وإبريق الشاي، بينما يزاحمهم في الليل فقط قدر لطبخ العشاء على الجمر، وحتى وإن انسحب الليل فإن نار السامرين لا تنطفئ في استقبال ضيف جديد مع شروق الشمس.