قدرة الله في النجمة هائمة في صفحة السماء تبسم في حنادس الليل، في البدر تفنيه الليالي ويدركه المحاق كأنه قتيل، في روعة الإشراق، وقد نشرت الشمس ضفائرها ونثرت جدائلها على التلال، وبثَّت سِحْرها على الجبال. في الطبيب يشفي من الداء، فإذا أدركه الفناء، بار فيه الدواء، وعجز في علاجه الأطبّاء، في المريض ييأس من العافية، وتحار فيه الأدوية الظاهرة والخافية، ثم تدركه من الله عناية شافية، ورحمة كافية، في البراكين تثور بالدمار، في الزلازل تهز الديار، في السُّم يُصنع منه الدواء، في الماء يكون سببًا للفناء، في الهواء يعصف فيدمر الأشياء، في الريح تكون رخاءً فتلقح الثمار، وتسوق الأمطار، وتزجي السفن في البحار، ثم تكون عاصفة هوجاء، فتقتل الأحياء، وتنقل الوباء، في النخل باسقات لها طلع نضيد، في الجبال تثبت الأرض وقد كادت تميد، في الَّلبن يخرج من بين فرثٍ ودم، في كل مخلوق كيف وُجِد من العدم، في الإبل كيف خُلقت، في السماء كيف رُفعت، في الجبال كيف نصبت، في الأرض كيف سُطِحت، في الضحى إذا ارتفع، في الغيث إذا همع، في خلق الإنسان كيف ينكس، وفي عمره كيف يعكس، يعمّر فيعود كالطفل، فلا يُفرِّق بين فرضٍ ونفل، في الطائر كيف يجمع القَش، ويبني العُش، ويختار عيضه، ثم يضع بيضه، في العجماوات ما بين جائع وبطين، في الدود تبحث عن طعامها في الطين، في البلبل يحبس في القفص فلا يبيض، ويعيش بجناح مهيض، في الحيّة وهي في الصحراء، تنصب جسمها كأنه عود للإغراء، فيقع عليها الهدهد، يظنها عود مجرَّد، فيكون طعامها، بعد أن رأى قيامها، في الثمرة تحمى بأشواك، كأنها أسلاك، في الأطعمة ما بين حلو وحامض، وقلوي وقابض، في الناس ألف كواحد، واحد كجيش حاشد، في البشر ما بين عاقل حصيف، وطائش خفيف، وتقيٍّ متنسِّك، وفاجر متهتِّك، في الأرواح كيف تتآلف وتتخالف، في اختلاف الأصوات، وتعدد الّلهجات، وتباين النغمات، وكثرة اللغات، في الحر يكاد يذيب الحديد، في البرد يحول الماء إلى جليد، في الأرض يعلوها من الغيث بُرد أخضر، ويكسوها من القحط رداء أغبر، في المعادن تذوب بالنار، فتسيل كأنها أنهار، في السماء تتلبّد بالغيوم، ولها وجوم، كأن وجهها وجه مهموم، أو طلعة مغموم، في الشمس تكسف، في القمر يخسف، في كل ما ننكر ونعرف، في كل مولود حين يوضع، كيف يهتدي إلى الثدي فيرضع، إن عاش الحيوان في جو معتدل كساه بالشعر، وإن عاش في برد قارص غطاه بالوبر، وإن عاش في الصحاري دثره بالصوف، ليقاوم الحتوف، حيوان الغاب يزوده بناب، ويمنحه مخلاب، وطير العريش يقويه بريش ليعيش، ينبت في الصحراء شجرة جرداء، تصبر لحرارة الرمضاء، ووهج البيداء، ويزرع في البستان شجرة ذات رواء وأغصان، ندية الأفنان، مختلفة الطعوم والألوان، جعل الصيد في البيد، ليحمي نفسه من التهديد، علّم العنكبوت، كيف تبني البيوت، وهدى النملة لادّخار القوت، جعل فوق العينين حاجبين، ليحميهما من ضرر المعتدين، وجعل أمامها رمشين، لتكون في حرز أمين، وجعل فيهما ماء تغتسلان به كل حين، يسلط الرياح على السحاب، فيقع التلاقح والإنجاب، إن شاء جعل الهواء عليلًا، يحمل نسيمًا جميلًا، وإن شاء جعله ريحًا عاصفة ً، مدمرة قاصفة، سبحان من حكم الكون بالقهر، مع علو القدر، ونفاذ الأمر، له الملكوت والجبروت، وهو حي لا يموت، أحسن كل شيء خلقه، وتكفل بكل حي يوم رزقه، أوجد الحب وفلقه، تسمى بأحسن الأسماء، واتصف بأجمل الصفات والآلاء، عطاؤه أنفع عطاء، جلّ عن الشركاء، نصر الأولياء، وكبت الأعداء، عبادته فرض، والصدقة عنده قرض، وسلطانه عمّ السماء والأرض، يعلم الغيوب، ويقدر المكتوب، ويمحو الذنوب، ويستر العيوب، ويهدي القلوب، وينقذ المكروب، نعمه لا تعد، ونقمه لا تصد، وعظمته لا تحد، وعطاياه لا ترد، منصورٌ من والاه، سعيدٌ من دعاه، موفَّق من رجاه، مخذول من عصاه، مدحور من عاداه.