تعد عملية البحث عن الحلول بعد وقوع الكارثة أو المشكلة صفة تمتاز بها الكثير من دول العالم الثالث، فلا يمكن التنبؤ بخطورة الأمر إلا بعد وقوعه، رغم المؤشرات التي تؤكد وجود مخاطر ستنعكس سلبا على الواقع الحياتي للناس في تلك الدول، ولعل مدينة جدة إحدى المدن التي أصبحت تعاني من العديد من الإشكالات البيئية والصحية وغيرها، ولم يعرها أبناؤها قبل عشرات السنين أي اهتمام يذكر، رغم قدرتهم على تقديم ما يمكن أن يساهم في الحفاظ على المدينة وتجنبها المخاطر المحدقة بها حاليا. «عكاظ» تستعرض الحلول المقترحة على طاولة صناع القرار، المشتملة على الخطط التطويرية والتصحيحية التي أقرتها الجهات المعنية، أبرزها الخطة الاستراتيجية لتطوير مدينة جدة، الخطة العشرية لتطوير منطقة مكةالمكرمة، بالإضافة إلى خطة المشاريع التنموية الكبرى للمنطقة، وما تضمنته تلك الخطط تجاه إزالة وتصحيح الأحياء العشوائية في المدن الرئيسة للمنطقة، أبرزها مدينة جدة التي تحتضن 52 حيا عشوائيا بدأت بالفعل أمانة جدة في تطويرها، إلا أن هناك معوقات طرأت على السطح، ساهمت في تباطؤ تنفيذ الخطط. الخطط التطويرية يعول الكثير من أبناء منطقة مكةالمكرمة، لا سيما أبناء جدة، على الخطط التطويرية والاستراتيجية التي أعلنت إقرارها الجهات المعنية، في وضع الحلول الناجعة للكثير من المشكلات البيئية والصحية والخدمية في الأحياء العشوائية تحديدا، ولعل أبرز ما يطالب به أهالي جدة، توفير الخدمات الصحية وخدمات النقل والسكن وتهيئة الطرق، والعمل على الارتقاء بمستوى المعيشة وتمكين المواطنين من الحصول على فرص التنمية بشكل متواصل، من خلال المشاريع التطويرية المطروحة للتنفيذ. وفيما يتعلق بالخطط التطويرية التي اعتمدتها إمارة منطقة مكةالمكرمة، فقد وضعت العديد من الخطط، منها ما هو متعلق بتطوير المنطقة كالخطة العشرية لتطوير المرافق الحيوية في مدن المنطقة، أو خطة أمانة جدة الاستراتيجية لتطوير المدينة، التي تعد الخطة الأهم بالنسبة لساكني جدة، إذ تشتمل على تطوير الأحياء العشوائية وتنظيمها والارتقاء بمستوى الخدمة فيها، وبدأت أمانة جدة بتنفيذ الخطة المتعلقة بتطوير الأحياء العشوائية من حي الرويس ومنطقة خزام، ويأتي بعدها أحياء أخرى في جنوبي وشرقي المدينة، ومن المتوقع الانتهاء من تنفيذ تلك الخطط في غضون العشرة أعوام المقبلة، إلا أن مراقبين يشككون في قدرة الأمانة على تنفيذ هذه الخطط خلال المدة المعلن لوجود الكثير من المعوقات. أبرز معوقات تنفيذ الخطط التطويرية واجهت شركة جدة للتطوير العمراني، وهي الذراع الاستثمارية لأمانة جدة، صعوبات بالغة في تنفيذ بعض الخطط المعتمدة لتطوير المدينة، ومن بينها خطة تطوير الأحياء العشوائية، وكانت الشركة بدأت في تنفيذ الخطة من حي الرويس، الذي يعد أقدم أحياء المدينة «خارج السور»، وحي الرويس يصنف من الأحياء القليلة التي تتوافر فيها معظم الخدمات الضرورية، كالصرف الصحي الذي يغطي حتى الآن نحو 13 في المائة من المدينة، إلا أن عمليات التطوير تسير ببطء شديد بخلاف عملية تطوير منطقة خزام. ومن أبرز معوقات التطوير، امتناع الكثير من ساكني الحي الأصليين التجاوب مع الجهات المطورة، متمسكين بالأرض، ورافضين كل المغريات التي قدمت لهم. ورغم الجهود التي تبذل حتى الآن، ما زال أهالي حي الرويس يواصلون رفضهم القاطع لعملية التطوير، معتقدين أنها ستدفعهم إلى التضحية بالأرض التي عاشوا عليها لسنوات طويلة، دون وجود مقابل يتناسب مع القيمة التاريخية لمنازلهم، ويؤكد بعضهم أن الشركة المطورة لن توفر لهم منازل بديلة في حال موافقتهم على المغادرة، بالإضافة إلى عدم وجود ضمانات للعودة إليها فيما بعد. والشركة بدورها قدمت العديد من المميزات والعروض المغرية لأهالي حي الرويس مقابل ترك منازلهم، ومن أبرز ما قدمته، إتاحة الفرصة للأهالي للمشاركة الاستثمارية في الشركة المطورة للمنطقة، ورفع القيمة السوقية لسعر المتر الواحد من العقار المراد نزعه، إلا أن كل تلك المغريات لم تجد نفعا في إقناع السكان بالمغادرة. المقترحات والحلول يرى مختصون في التخطيط العمراني للمدن أن حي الرويس الذي يدخل ضمن نطاق الأحياء القديمة في جدة لا يحتاج إلى عمليات التطوير، وذلك لمحدودية عشوائيته وتوافر العديد من مشاريع البنى التحتية فيه كالصرف الصحي، كما أنه من أحياء المدينة القديمة ويحتاج إلى اهتمام من الناحية التاريخية شأنه شأن المنطقة التاريخية، وكان أهالي الحي قدموا العديد من الاقتراحات للشركة المطورة، وأكدوا فيها على ضرورة العمل على إزالة العقارات التي تتعارض مع توسيع الشوارع والطرقات، وترك المنازل التي لا تدخل في نطاق ذلك، بما يضمن الحفاظ على إزالة معظم المنازل التي تم إنشاؤها بشكل شبه منظم. ويتوقع مراقبون أن تواجه الشركات التطويرية معوقات في أحياء أخرى ستخضع للتطوير في مراحل لاحقة، خصوصا إذا لم تكن هناك آلية واضحة للتطوير، مع توفير البدائل للسكان، وإتاحة الفرصة لهم للمشاركة بالرأي مع الشركات المطورة، وإعادتهم لاحقا بعد عمليات التطوير، ويرى المراقبون أن من أهم الإشكاليات التي ستواجه المطورين، عدم وجود وحدات سكنية لاستيعاب السكان الحاليين، واحتمالية نشوب أزمة سكن كبيرة، سيكون لها أثر على الجانب الاقتصادي، وتلحق الضرر بالعديد من السكان لا سيما ذوي الدخل المحدود. الاهتمام بالبيئة بدوره، يرى الخبير في الشؤون البيئية الأكاديمي في جامعة الملك عبد العزيز الدكتور علي عشقي أن عدم الاهتمام بالبيئة من أسباب تكاثر العشوائيات في جدة، يقول «لا نستطيع تهميش الجانب البيئي في تأسيس المدن وحياة الناس»، ويطالب بضرورة أن تكون الدراسات التطويرية والخطط المعتمدة لتطوير تلك الأحياء، مشتملة على الجوانب البيئية، وذلك لتجنيب المدينة من الوقوع في إشكاليات صحية وبيئية واقتصادية واجتماعية محتملة. وأشار إلى أن من أهم الاعتبارات في تخطيط وتأسيس المدن، ويتعامل به عالميا إلا في المملكة، الجانب المناخي الذي يتعلق بدرجات الحرارة والرياح وخلافه، والجانب البيئي المتعلق بتوفير البنى التحتية المناسبة المشتملة على مشاريع تصريف مياه الصرف الصحي وغيرها من المشاريع البيئية الأخرى. ورأى الدكتور عشقي أن إنشاء أنفاق عامة تحت الأرض في جدة، هو الحل الأمثل لتأسيس جميع الخدمات الضرورية، الاتصالات والكهرباء والصرف الصحي وغيرها من الخدمات الأخرى، ويشترط أن تكون في موقع واحد، لتسهيل عمليات الصيانة وحماية المدينة من المخاطر البيئية، بالإضافة إلى إيجابة تلك الأنفاق في تجنيب الشوارع والطرقات من عمليات التكسير والحفر للصيانة. ويؤكد على ضرورة الاستنارة بآراء خبراء بيئيين، لوضع الأسس العلمية الصحيحة لإنشاء المدينة بشكل صحيح وحمايتها من المعوقات في ظل النمو الكبير الذي تعيشه المدينة والازدياد المطرد في أعداد السكان، لافتا إلى أن الأحياء التي يعتقد أنها أحياء منظمة ومتطورة الآن ستكون عرضة للعشوائية، إذا لم يكن اهتمام مستمر وعمليات متابعة مستمرة لنموها. وأبدى عشقي تحفظه على مشروع الصرف الصحي الذي يتم إنشاؤه الآن في المدينة، لأنه لم يأخذ في الاعتبار توسع المدينة خلال ال25 عاما المقبلة، بالإضافة إلى أن مشروع التوصيلات المنزلية لن يغطي المدينة بعد عشرة أعوام من الآن، خصوصا أن العمل ما زال جاريا على تنفيذه. وأكد في ختام حديثه على أهمية وضع خطط مستقبلية للمشاريع ل40 عاما وليس لأعوام قليلة. وأشار الدكتور عشقي إلى أن الوقاية خير من العلاج، فلو وضعت الخطط العلمية المنظمة لما أصبحت جدة مثلما هي عليه الآن، لافتا إلى أن الاهتمام بالبيئة هو الركيزة الأساسية في حماية المدينة من العشوائيات وما ترتب عليها من أضرار بيئية وصحية واقتصادية واجتماعية، مؤكدا أن العشوائيات هي إفراز لعدم الاعتماد على الخبراء البيئيين.