في الطريق إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة قال لي: برأيك يا بابا من الذي صنع كل هذه الأشياء الموجودة في الدنيا؟ قلت: بعضها صنعه الله كالجبال والبحار والأشجار والحيوانات، وبعضها صنعه الإنسان كالسيارات والطرقات والمباني، فنظر إلي باستصغار وقال: أنت مخطئ ، بل كل شيء صنعه الله، قلت:كيف؟ قال: أليس الإنسان بعقله يصنع كل ما يصنعه؟ قلت: نعم، قال: لو أن الله لم يعط الإنسان العقل هل كان بإمكانه أن يفعل شيئا؟ قلت: بالتأكيد لا، قال: إذن كل ما نراه حولنا هو من صنع الله. وفي يوم جمعة آخر سألني قائلا: السيارات التي تأتينا من اليابان وأمريكا، هل تأتي بالطائرات أم بالبواخر؟ قلت: نادرا ما تصلنا سيارة عبر الطائرة، لأن كلفة شحنها عالية، ولا يستطيع أن يتحمل هذه التكلفة إلا شخص لديه الكثير من المال، السيارات تصلنا عادة عبر البواخر، فقال على الفور: إذن بحر اليابان وأمريكا متصل ببحر جدة، قلت: أحسنت فالبحار بمجملها متصلة ببعضها إلا القليل النادر منها. بهذا النقاش نمضي الكثير من الوقت كلما خرجنا لوحدنا أنا وهو، هو يسأل ويحاور وأنا أجيب وأحاور أيضا، وبهذه الطريقة، لم يعد قادرا على تحمل من لا يناقشه، أو يحاوره، صار يرفض بشدة أن تفرض عليه آراء لا يقتنع بها، ولكنه إن اقتنع نفذ وبكل رحابة صدر ما يطلب منه، ومن خلال الحوار صرت أجد مبررا قويا لجعله ينصت، لعدة أسباب أبرزها أنني أنصت له، فإن حاول مقاطعتي ذكرته بأنني لم أقاطعه حين كان يتكلم، وأن من الأدب أن ينصت الشخص لمن يحدثه، وبالتالي فإن أراد ممن يتحدث إليه أن ينصت له، فعليه هو بالمقابل أن ينصت لمتحدثه، وصارت قواعد الحوار إلى حد كبير واضحة عنده وجزء غير قليل منها صار راسخا في نفسه على الرغم من حداثة سنه، فهو لايزال في السنة الأولى الابتدائية فبالنقاش والحوار نقشت الكثير من القواعد والكثير من الأفكار لديه. وإذا كان البعض يستهجن الحوار مع طفل بحجة أنه صغير لا يفهم فإنني أرى أن هذا الاستهجان لا مكان له، لسبب جوهري أن الله تباركت أسماؤه المنزه عن كل نقص وعيب أتاح الفرصة لإبراهيم أن يحاوره، وحين سأله رب العزة قائلا: أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي. وجواب إبراهيم جاء بعد ملاحظات عديدة وتتبع لظواهر كونية راقب فيها الشمس والقمر باعتبارهما إله الكون، وحين أفل كل منهما أيقن أنه لو كان أحدهما هو إله هذا الكون لما أفل، وطلب بعدها من خالقه أن يريه كيف يحيي الموتى فجاء سؤال رب العزة له: أولم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي، فالحوار ليس هدفه الوصول إلى حلول دائما، ولكن الأهم من الحلول والمعلومات والأفكار أن يصل من يحاورنا إلى الاطمئنان الذي بدونه يبقى الفرد قلقا، ويصبح النقش عندها نقشا على طين يختفي إذا هطل عليه مطر، أو يكون نقشا على رمل يختفي أيضا بالماء أو بمجرد هبوب الريح، ومن يريد أن ينقش القواعد الأخلاقية، والقيم والمعتقدات كي تصبح راسخة ليتذكر أن النقاش والحوار مع الأطفال هما وسيلة فعالة جدا لتحقيق ذلك، وليتذكر أيضا أن المصطفى عليه الصلاة والسلام ناقش وحاور كفار مكة ثلاث عشرة سنة كي ينقش في عقول من آمن منهم القيم والمعتقدات، في حين أنه بقي مع من قامت الدولة على أكتافهم عشر سنوات فقط، كان خلالها أيضا يمضي الكثير من الوقت بالنقاش والحوار. ولنتذكر أيضا أننا حين ننجح بالنقاش والحوار في نقش القيم والمعتقدات في عقول أبنائنا فلن يعود سهلا على شياطين الإنس أن يجتالوهم عن دينهم وقيمهم، كما نرى ذلك عند من يلقن هذه القيم والمعتقدات بالتلقين لا بالنقاش والحوار. للتواصل ارسل رسالة نصية sms الى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 146 مسافة ثم الرسالة او عبر الفاكس رقم: 2841556 الهاتف: 2841552 الإيميل: [email protected]