من النصائح التي توجه إلى من يعمل في مخاطبة الجماهير، أن يجتهد في جعل حديثه في مستوى فهم الجمهور الذي يخاطبه، كي يضمن الوصول إلى قلوب الناس والتأثير عليهم والنجاح في إقناعهم بما يريد، بيد أن هذه النصيحة إن أمكن تطبيقها في مجال الخطاب الخاص، حيث يكون الجمهور متجانسين إلى حد ما في المستوى المعرفي والسني، كما يحدث عادة في طلاب الجامعات والمدارس أو العاملين في شركة أو مصنع أو ما شابه ذلك، فإنه من العسير للغاية تطبيقها في مجال الخطاب العام الذي يكون موجها لكل الناس، كالخطاب في المساجد، وفي البرامج الإذاعية مرئية ومسموعة، وفي الكتابة في الصحف، وغيرها من المجالات التي يكون الخطاب فيها مفتوحا للجميع وليس خاصا بجماعة بعينها. وقد لا يدرك درجة الصعوبة في مخاطبة عامة الجماهير مثل من يمارس التجربة بالفعل، فمن خلال تجربتي الشخصية ألاحظ عبر ما يصلني من تعقيبات القراء أو ما يكتبونه في موقع عكاظ من تعليقات على المقالات التي يقرؤونها، ألاحظ مدى الاختلاف الكبير والتباين بينهم في درجة المعرفة والثقافة والاهتمامات، وكيف أثر ذلك على درجة فهمهم لما يقرأون ومن ثم نوع تفاعلهم معه. في بعض الأحيان قد يقتضي مني الموقف الإشارة في بعض ما أكتب إلى وجود اختلافات في الفهم بين العامة من القراء والخاصة، على اعتبار وجود فوارق بينهم في درجة الوعي والمعرفة والخبرات المكتسبة تؤثر على نوع فهم كل منهم وقدرته على استيعاب ما كتب لكن قارئا، طلب مني عدم الرد عليه عبر الصحيفة، كتب إلي يحتج على تصنيف القراء إلى عامة وخاصة، فهو يرى في ذلك تكبرا واستعلاء وتفرقة بين الناس تنافي العدالة والديموقراطية التي تدعو إلى معاملة الجميع على قدم المساواة. وليسمح لي هذا القارئ الكريم بأن أقول إن هذا الاحتجاج منه هو أحد صور عدم الفهم لما يكتب، فالعدالة والمساواة بين الناس لا تعني مطلقا تساويهم في العلم أو القدرات الذهنية أو الخبرات المعرفية، الناس ليسوا جميعهم في مستوى واحد من التعليم وسعة الاطلاع، ونوع الخبرات، وتفاوتهم في ذلك يؤثر في قدرتهم على الفهم والاستيعاب وهذه سنة الله في خلقه، فكما أنه جعل الناس متفاوتين في مظهرهم، جعلهم كذلك متفاوتين في سعة مداركهم ودرجة استيعابهم ونصيبهم من العلم والمعرفة، وكما أن هناك أغنياء وفقراء، وأقوياء وضعفاء، وجميلين وقبيحين، فإن هناك أيضا أذكياء وغير أذكياء، ومطلعين وغير مطلعين، وكل واحد من أولئك يستوعب مما يقرأ على قدر فهمه واطلاعه ولا أدري ما الذي جعل هذا القارئ يتضايق من تصنيف القراء إلى عامة وخاصة رغم أن هذه الحقيقة لا تسيء إلى أحد ولا ترمي إلى التقليل من شأن أحد. أخيرا، إن بين قرائي حملة درجات علمية عالية، وبينهم متوسطو الدرجات العلمية، وبينهم من لا يحمل سوى الشهادة الابتدائية أو المتوسطة، وكلهم أسعد بقراءتهم لما أكتب، وأسر برسائلهم وتعليقاتهم حين تصلني. فالتصنيف لا يراد به الانتقاص من قدرة قارئ ما، وإنما هو تقرير واقع يتجسد في معاناة من يخاطب الجماهير المتنوعة، ومدى الصعوبة في إيجاد لغة ومستوى فكري واحد يناسب الجميع، وهو نوع من الأساليب إن وجد، خلا من الأناقة والجمال تماما كالملابس التي تصنع لتكون مقاسا واحدا يناسب الجميع. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة