ذات أسبوع مضى، كنت أراجع رواية «الغرباء» تمهيدا لطرحها بطي مراجعات الكتب الآيل للنشر في عدد أسبوعي كيفما اتفق. انتهيت من الرواية، بعد أن تعرفت من خلال ذاكرة المؤلفة سوزان هينتون على «البروتجانوست» يعني البطل بلغة الرواية الآيلة إلى الحس النقدي في الربع الأخير من القرن العشرين.. أيام زمان جدا كانوا يسمونه «الهيرو» والآن اختفى «الهيرو» بمعناه التقليدي لأنه لم يعد يحرز أي انتصارات، فالهيرو الأخير توقف نتاجه منذ رامبو في رواية السينما الموسومة ب «الدم الأول» وحل مكانه البروتجانوست .. كلاهما بطل طبعا، مع فوارق أهمها أن «الهيرو» هو سوبرمان ألماني نيتشوي بإسقاط فلسفي أمريكي.. في السبعينيات دبلجوه من أجلنا وأسموه عربيا نبيل فوزي وكانوا يبيعونه في مكتبات محافظتنا العزيزة بثمن بخس قبل تسويقهم مطبوعات الرجل السمين والوطواط وصولا إلى نصير العدالة زورو بنخبه الإيطالي. أولئك جميعا أبطال «هيرو»، ولكن البروتجانوست بطل بمعنى أنه الشخصية المحورية في العمل الأدبي الذي يفترض فيه أن يكون كبش فداء ويتعرض إلى ضرب مبرح حتى يفقد عقله وقد يأخذونه إلى السجن ويبصقون عليه ليل نهار وقد يعملون له التونجا وقد يعملون له غسيل مخ ويجعلونه تحت إشراف طبيب خبيث يعطيه في كل يوم جرعة حتى يدمن وتتلف أنسجته وبالكاد يعيش في دائرة مخاوف فلا يفاد منه ولا يستفاد. تلك شهادة لا تقدمها الكاتبة الأمريكية سوزان عبر روايتها المعروفة في أمريكا الآن أدبيا برواية The Outsiders - هذا بغض النظر عن كونها تقدم مشاهد تفيض كراهية وشتما واستهانة وعنصرية حد الثمالة، ولكن عوضا عن ذلك وجدت باحثا آخر اسمه دومينيك ستريتفيلد يقدم شهادة أخرى من خلال كتاب «غسيل مخ» ولا علاقة للباحث ستريتفيلد بغرباء الروائية العجوز سوزان هينتون وذلك من خلال استقصائه لمساجين وضحايا آخرين تعرضوا لتنويم مغناطيسي يتبعه غسل دماغ إجباري ولسعات كهربائية حتى يلفظوا بالنطق آخر عبارة وجملة مفيدة تعكس خفايا أنفسهم من الداخل.. ومن خلال بعض شواهد الكتاب، اعترف أحدهم ذات مرة قائلا «نعم أنا خدمت في الجيش الأمريكي وأتعاطى الحشيش وأحب أمريكا، ولكنني شيوعي من الداخل».. وهكذا فجأة فيما كنت مستغرقا لوضع اللمسات النهائية لمراجعة بعض الكتب التي تتناول حياة أشخاص دخلوا دائرة العذاب بطوره الدنيوي، أطل من خلال شاشة التفاز بطل شرقي من نوع مسالم في أمريكا.. لقد أوقفوه في الشارع من غير إذن توقيف، وهو يعتبر أمريكيا ولكنه من طراز أبطال الروائية سوزان هينتون.. بدأوا يستجوبونه في الشارع وبحسب شهادته أهانوه ومن خلال قناة البي بي سي بنسختها العربية بدأ يقدم يتحدث بإنجليزية أمريكية ولكأنني أحسب نفسي أعيد قراءة رواية الغرباء مرة أخرى.. ومشهد الأخير ربما يكون أكثر إيلاما لإنسانية تتوق إلى أرض الفرص.. لم يعترف بشيء ولم يدخن الحشيش.. أوقفوه من غير مذكرة وأهانوه وتسلطوا عليه ومن بعد ذلك أطلقوا سراحه ببساطة كما أوقفوه..!!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 265 مسافة ثم الرسالة