من علمني حرفا كنت له عبدا، مقولة قديمة تدل على حفظ جميل المعلم وجلال قدره، أما كلمة «التخلص من المعلمين غير المتطورين» فهذا عين الجفاء وإنكار لجهد كوكبة لامعة من معلمي الأمس، ممن لا يستطيعون التطور حسب الظروف والأحوال. معلم الأمس القريب أصبح اليوم تجارة مزجاة (كاسدة)، نعم معلم الأمس الذي تحمل المشاق بجميع أنواعها سواء وسيلة النقل أو السكن أو الوسائل التعليمية المتاحة آنذاك كل ذلك تحمله معلم الأمس؛ ليزرع بدايات التعليم ويسهم في نهضته ونشره بين أفراد المجتمع يعمل ويكد ويجد ويجتهد ويهيئ كل ما في وسعه ليرتقي بعمله مع ندرة الإمكانات آنذاك، يتنقل من هنا إلى هناك صابرا محتسبا متحملا السفر والغربة لا يئن ولا يكل لا ضجر ولا ملل، فهو يتفهم عمله ودوره التعليمي التنويري لعقول المجتمع آنذاك، وكذلك يستشعر المواطنة وأهمية المشاركة في التنمية والبناء ويعي أيضا أهمية العلم في تحضر وتقدم الأمم فعمل من أجل ذلك كله. وها هو اليوم يواجه على قاعدة البرتقالة المعصورة مقولة «ضرورة التخلص منه» كونه ليس متطورا، كيف أصبحنا نتعامل مع معلمينا الأوائل بكل إجحاف ننكر عطاءهم ونقلل من احترامهم ونستصغر جهدهم ونحقر طريقتهم، أما وجدوا كلمة أعذب وأشرف من كلمة «التخلص» هذه الكلمة النابية جدا في حق المعلم المربي الأول، هكذا أصبحنا ننظر إلى الرعيل الأول من رجالات التعليم بأنهم عبء على التعليم وهم من أسس وحرث وزرع. وما نراه اليوم ما هو إلا قليلا من تلك العطاءات والتضحيات التي سبقونا بها عقودا من الزمان ثم نأتي اليوم ونقول إنهم ليسوا متطورين. واحسرتاه، بل هم المتطورون ولو أخلاقيا فلم يتجاوزوا حد الدعاء لأبنائهم بالتوفيق والنجاح في ضوء ما ييسر لهم من سبل التعليم والتي كانت مفتقرة منذ عقود مضت ولم تصبهم آفة الحسد ويخونهم التعبير في إبداء الرضى والفرحة لأبنائهم كونه حصاد جهدهم. كما خان التعبير أولي الدرجات العلى من العلم فعموا وتاهوا وعجزوا عن اختيار كلمة شريفة عذبة تعبر عما يدور في دواخلهم من الجحود والنكران للمعلم الباني المؤسس، غير المتطور على حد قولهم. علي بن سالم القرني