ليست قليلة هي المرات التي يجد الإنسان نفسه فيها محصورا في موقف مربك، كأن توجه إليه عبارة ظاهرها حسن وباطنها يراد به إهانته، أو يتعرض لطلب لا يحب تلبيته ولا يجرؤ على رفضه، أو يضبط متلبسا بعمل أو قول يخجله اطلاع الناس عليه، أو غير ذلك من المواقف المحرجة. وما يغلب على الناس في مثل هذه المواقف هو مواجهتها بأسلوب خال من الحكمة، هم عادة يواجهون إحراجهم إما بالغضب والانفعال، أو بالصمت والانسحاب، أو محاولة تغطية ما أحرجهم بالكذب والتدليس، ويقل بينهم من يستطيع أن يخرج من موقفه ذاك خروجا ذكيا يسدد به ضربة قاضية لمن أراد إحراجه أو إهانته. والرد الذكي، ليست صعوبته في أنه لا يوجد، صعوبته في أنه لا يأتي سريعا لحظة الحاجة إليه، هو قد يأتي، ولكن بعد فوات اللحظة، هو رد (دبري) مثل الرأي الدبري، وهو الرأي الصواب الذي لا يأتي إلا بعد فوات الأوان. وفي كتب التراث نجد كثيرا من أنواع الردود الذكية التي استطاع بها أصحابها الانسلال بذكاء من مواقف جد محرجة، وهذه الردود هي وإن كانت تطرح في تلك الكتب على أنها مواقف حقيقية مر بها أصحابها المنسوبة إليهم، إلا أنه ليس هناك ما يثبت لنا صدق ذلك القول، وقد تكون في كثير منها منحولة لهم، وضعت على مهل وبعد تأمل ودرس، حتى وإن سيقت على أنها نماذج واقعية من سرعة البديهة وحدة الذكاء. من الردود الذكية في حسن التخلص ما يروى من أن الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك قال لعمر بن أبي ربيعة: «ما يمنعك من مدحنا؟». قال: «إني لا أمدح الرجال، إنما أمدح النساء». وأن الأحنف شهد مصعب بن الزبير وهو يوبخ رجلا ويقرعه ويقول له: «أبلغني عنك الثقة كذا، وأبلغني عنك الثقة كذا..»، فقال الأحنف: «كلا، أيها الأمير، إن الثقة لا يبلغ». أما أظرف ما قرأت بهذا الشأن، فهو تلك الحكاية التي تروى عن زوجة مزيد المديني التي يقال إنها صعدت على السلم فقال لها زوجها: «أنت طالق إن صعدت، وأنت طالق إن نزلت»، فما كان منها إلا أن رمت نفسها على الأرض! فقال مزيد: «فداك أبي وأمي، إن مات مالك احتاج الناس إليك في أحكامهم». ومن نماذج ردود البخلاء للخروج من مأزق العطاء ما قيل من أن أحد الأدباء البليغين كتب إلى الخليفة العباسي المنصور يسأله زيادة في رزقه (أجره) وأبلغ في كتابة الطلب، فوقع المنصور في ذيل الخطاب: «إن الغنى والبلاغة إذا اجتمعا في (رجل) أبطرتاه، وأمير المؤمنين يشفق عليك من ذلك، فاكتف بالبلاغة». من حسن حظ النساء، أن أمير المؤمنين استثناهن في عبارته فحصر الأمر في (الرجال) وحدهم، وبإمكان البليغات من النساء أن يسعين إلى الزيادة في الرزق، وأن يجمعن ما شئن بين البلاغة والغنى من غير خشية الوقوع في البطر. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة