عرفة مكان فريد في العالم ليس له مثيل في أي مكان. والمناسبة التي تحدث فيه هي تجمع الحجاج في هذا المكان يوم التاسع، ومن لم يصل إلى عرفة قبل فجر العيد فليس له حج كامل، فقد قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: (الحج عرفة)، فعلى الرغم من أن من استطاع أن يتواجد في هذا المكان ولو لوقت قصير فقد أدى الفريضة ومن لم يستطع فلا حج له. المهم في الموضوع أن الحج أحد أركان الإسلام ولا بد من أن يقوم به كل فرد مسلم ذكر أو أنثى سليم الجسم والعقل ولديه ما يكفي من المال لأداء الفريضة حتى وإن كان في أقاصي الدنيا إذا توفرت له وسيلة النقل. أليست هذه الأرض المقدسة هبة إلهية للبشر كلهم لكي يستكملوا متطلبات الإسلام ؟، هل هناك مكان بديل للوقوف في (يوم التاسع من ذي الحجة) غير هذا المكان ؟. إذن فإن أرضنا وشعبنا لديهم هبة من الله ليكونوا وسيلة تيسير الحج لكل مسلم يريد أن يؤدي هذه الفريضة التي هي الركن الخامس من أركان الإسلام. غدا (الاثنين) هو يوم الوقوف بعرفة الذي لا يصح الحج بدونه ويسبق ذلك يوم التروية، وهو اليوم الذي كان يستعد فيه الحجيج بأخذ ما يحتاجونه من ماء ومتطلبات المعيشة حيث سيتلو هذا اليوم: الوقوف بعرفة التي لم يكن فيها أي مصدر للمياه فيما مضى من الأزمان ولذلك كان يوم التروية مهما لكل حاج. ويتلو يوم عرفة المبيت في مزدلفة، ثم رمي الجمار والإقامة في منى لمدة أقلها يومان بعد يوم الحج الأكبر الذي هو العاشر (الذي يتم فيه معظم الشعائر ). ولكن المهم هو أن الحج فريضة من فرائض الإسلام لايصح أداؤها إلا في أرضنا من حيث المكان ولا يجوز إلا في الجزء الأول من شهر ذي الحجة (9+10+11+12) من حيث الزمان والمكان لمن تعجل. إذ يقول الله تعالى: (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى). والحج كغيره من واجبات الإسلام له فوائد دينية لعباد الرحمن كما شرع الله، لكن له أيضا فوائد اجتماعية وصحية ونفسية وتجارية إذ يقول الله سبحانه وتعالى: «ليشهدوا منافع لهم ويذكروا الله في أيام معدودات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام». (الحج 28). يبدو لي أن من بين المنافع الدنيوية التعرف على ما لدى إخواننا المسلمين من مهارات وأساليب معيشية، وتقنيات اجتماعية، ومهارات صناعية، وعلوم عامة ومتخصصة. ولقد مر علي في زمن مضى كتاب نسيت عنوانه لكنه استعرض بعض الفوائد التي استفاد منها أبناء الحجاز من الحجاج القادمين من تلك البلدان، كما رصد الكتاب أيضا بعض الفوائد التي نقلها الحجاج من أرضنا إلى بلدانهم، مما يزيد من وضوح قول الله سبحانه وتعالى: «ليشهدوا منافع لهم». فالله غني عنهم، وهم الأحوج إلى رحمته وغفرانه. ألا نحمد الله ونشكره على ما من به علينا من أن يتجه المسلمون إلى بلادنا يوميا في صلواتهم ؟. ألا نحمد الله سبحانه وتعالى أن يأتي كل مسلم قادر إلى هذه الأرض ولو مرة واحدة ليؤدي نسكه ومن ثم يرانا ونراه ويفيدنا بعلمه وخبراته ويستفيد مما لدينا من علوم وخبرات متراكمة أجاد بها إخواننا الذين جاؤوا لأداء هذه الفريضة التي لا عوض عنها من حيث الزمان والمكان. الحمد لله على نعمه التي لا تحصى علينا وعلى ضيوفنا الذين تعد خدمتنا لهم عبادة، إذا ما أديناها كما أراد الله حيث يقول الله سبحانه وتعالى: «ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون». (إبراهيم 37).