اوضح الشيخ تركي العبدالكريم خطيب جامع الشيخ عبدالعزيز الرشيد بالرياض ان على قاصدي بيت الله الحرام لأداء ركنهم الخامس ان يلتزموا بالمنهج الشرعي والهدي النبوي في أدائه وقال الشيخ العبدالكريم انني هنا اسدي وصايا موجزة لمن اراد الحج ابرزها استشعار حرمة بيت الله واضاف الشيخ العبدالكريم لقد خص ربنا عز وجل اهل بلده الحرام والوافدين اليه بمزيتين جليلتين، ونعمتين عظيمتين بهما تحصل السعادة وتحل السكينة والطمأنينة وهما الأمن ورغد العيش امتن الله بهما على عباده ونوه بهما في كتابه فقال سبحانه {اولم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى اليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن اكثرهم لايعلمون} (القصص: 57) فما برح هذا البيت العظيم، ومابرحت هذه الرحاب المباركة محفوظة بحفظ الرحمن عبر العصور والازمان ومع تطاول الدهور والاعوام محفوظة بحفظ الله ممنوعة بقدرة الله عن ايدي الجبابرة الظالمين، والطغاة المفسدين فما اراد احد بهذا البيت او اهله سوءاً الا عاجله الله بالعقوبة، وفيما قصه الحق سبحانه في محكم التنزيل عن اصحاب الفيل وما انزل عليهم من العذاب الاليم لعبرة للمعتبرين وذكرى للغافلين {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب اليم} (الحج: 25). وقال الشيخ العبدالكريم ان من تعظيم الله تعالى لهذا البيت الحرام انه جعله حرماً آمناً، يأمن فيه كل شيء يأمن فيه الناس على انفسهم واعراضهم واموالهم، ويأمن فيه الصيد من الاصطياد، والشجر والنبات من القطع والاحتشاش ولذا وصفه الحق سبحانه في كتابه الكريم بأنه البلد الأمين، والبلد الآمن وان من دخله فهو آمن، فقال عز شأنه:{وهذا البلد الأمين}(التين: 3) وقال سبحانه {اولم نمكن لهم حرماً آمناً}(القصص: 57) وقال جل علا: {ومن دخله كان آمناً}(آل عمران: 97). وقال الشيخ العبدالكريم: ان هذا البلد الحرام مكان تطهير النفوس وصفاء القلوب، وتزكيتها بنور الإيمان وصالح الاعمال، والتخلص من ادران الذنوب، واوضار الفواحش. يامن اجتزتم الاجواء والبحار، وتجشمتم الصعاب وتحملتم المشاق، وتركتم اموالكم واولادكم واوطانكم اليكم هذه الوصايا الموجزة الجامعة والكلمات المختصرة النافعة لاسيما وانتم تستعدون لهذه العبادة العظيمة. الاصل الذي تنبني عليه سائر العبادات من حج وغيره، الا وهو: توحيد الله سبحانه، وإفراده بالعبادة دون سواه، كما قال تعالى: {قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له}(الانعام: 163,62) فاعظم مقاصد الحج ومنافعه تحقيق التوحيد لله والبعد عن الاشراك به يقول سبحانه {واذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لاتشرك بي شيئاً} (الحج: 26). فلا يجوز ان يلجأ العباد في قضاء حاجاتهم وتفريج كرباتهم وشفاء مرضاهم الا الى من بيده وحده ازمة الامور ودفع الشرور وتصريف الايام والدهور لا إله غيره، ولامعبود بحق سواه سبحانه وتعالى عما يشرك به المشركون علوا كبيراً. والاخلاص لله، قال تعالى: {ألا لله الدين الخالص}(الزمر: 3) فلا رياء ولا سمعة ولا انصراف عن الله الى غيره من اشخاص او شعارات او مناهج او مبادئ تخالف هذا الاصل وتنقضه او تنقصه. والآثام، إلا أن من عظيم الأسى ما يرى من حال البعض منا من عدم استشعار لقدسية هذه الأماكن المشرفة، والرحاب الطاهرة، واستهانة بحرمتها في مظاهر مألوفة للعيان، من تقصير في الواجبات الشرعية، ولا سيما الصلاة التي هي عماد الدين وركنه القويم، وإهمال لبعض شعائر الدين القويم، وما يرى من ارتكاب المحرمات، وعدم المبالاة باقتراب المعاصي والفواحش والمنكرات، والاعتداء على عباد الله الامنين فيه، اعتداء على الأنفس، واستطالة في الأعراض، واستيلاء على الأموال، ومنع للحقوق، واحتقار لعباد الله المؤمنين، وازدراء الضعفاء والفقراء والمساكين من عباد الله الصالحين، وغير ذلك من المخالفات والمعاصي، فلم يراع اولئك حرمة هذا البلد الأمين، ولا حرمات إخوانهم المسلمين، غافلين او متغافلين عما يجره ذلك عليهم من وزر كبير، وإثم عظيم. ألا يخشى اولئك من سخط الرب جل جلاله، وتحول عافيته وفجأة نقمته، واستجابة دعوات المظلومين، حين تنطلق من جوار هذا البيت العتيق، فتفتح لها ابواب السماء، إذ ليس بينها وبين الله حجاب، وقد قال عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» اخرجه الشيخان ولكي يستفيد الحاج من منافع الحج وآثاره، ولينال ما كتب للحجاج من فضل الله وثوابه، فإنه يجب على كل من أم هذا البيت العتيق: أن يلتزم المنهج الشرعي، والهدي النبوي، في اداء هذه الفريضة العظيمة، فللحج شروط وأركان، وواجبات ومستحبات، وضوابط وآداب، لابد من مراعاتها. فيا عباد الله، ويا حجاج بيت الله، يا من قطعتم الفيافي والقفار. وتحقيق المتابعة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كما أمره الله، ولزوم سنته - عليه الصلاة والسلام - والأخذ عنه، فهو القائل فيما رواه مسلم، من حديث عائشة - رضي الله عنها -: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رَدٌّ» والقائل في الحج: «خذوا عني مناسككم». وتقوى الله سبحانه، والعمل بطاعته، والحرص على الازدلاف إليه بالعمل الصالح، لا سيما عندما يجتمع شرف الزمان والمكان، {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} (البقرة: 197) ذكر ودعاء، تلاوة وطواف، تلبية وصلاة، بر وإحسان. واستشعار عظمة هذه الفريضة، فهي ليست رحلة برية، ولا نزهة خلوية، ولا تفعل تقليداً وعادة ومحاكاة، وإنما هي: رحلة إيمانية، مفعمة أجواؤها بالمعاني السامية، والأهداف النبيلة، وفرصة عظيمة للتوبة والإقبال على الله سبحانه، ولزوم صراطه المستقيم، بعيداً عن اللوثات العقدية والفكرية، والمخالفات المنهجية والسلوكية. واستشعار مكانة هذا البيت العتيق، وقداسة هذه البقاع المباركة، وما أُحيطت به من التعظيم والمهانة، فلا يُسفك فيها دم، ولا يُعضد فيها شجر، ولا يُنفر فيها صيد، ولا تُلتقط لقطتها إلا لمن عرفها، كما في «الصحيحين» من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - فالشجر والصيد والإنسان والحيوان في مأمن من الخوف والأذى، {من دخله كان آمناً} (آل عمران: 197). فلا يجوز أبداً أن يُحوَّل هذا المكان إلى ما يُنافي مقاصد الشريعة ومنهج الإسلام، ولا تكون فيه دعوة إلا الله وحده، ولا يُرفع فيه شعار إلا شعار التوحيد لله، ولا يحل لمن يؤمن بالله واليم الآخر أن يُؤذي فيه المسلمين، أو يُرَوِّع الآمنين، أو يصرف الحج إلى ما يُخالف سنة سيد المرسلين - عليه الصلاة والسلام - قال تعالى: {ومن يُرد فيه بإلحاد بُظلم نُّذقه من عذاب أليم} (الحج). والاستعداد للحج بالعلم النافع، والفقه في الأحكام، والبصيرة في معرفة المناسك - علماً وعملاً - وسؤال أهل العلم عما يُشكل، فلا يجوز أن يُعبد الله على جهل، أو تُؤدَّى المناسك على غير هدى، وذلك أمر ينبغي أن يعنى به الحجاج أيما عناية. واجتناب المعاصي والمحرمات، كما قال عز من قائل: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} (البقرة: 197)، وأطر النفس على عمل الطاعات، والبعد عن المنكرات أياً كانت. والعمل على الطاعات، والبعد عن المنكرات أياً كانت. والعمل على بر الحج، والقيام بكل ما من شأنه أن يزيد في حسنات الحاج، ويتمم نسكه بتوفيق الله، ومن ذلك: اختيار الرفيق الصالح، وكسب الحلال الطيب، فإنه من أسباب القبول، بإذن الله. والتحلي بالأخلاق الإسلامية العالية، والآداب الشرعية الرفيعة، والتخلي عن كل ما يخالف الخُلُق والأدب مع الله سبحانه أو مع عباد الله، والحذر من إيذاء المسلمين بالقول أو الفعل أو اليد أو اللسان، فالحج - يا عباد الله - مدرسة لتعليم الأخلاق الكريمة، والسجايا الحميدة، والشمائل النبيلة، والمُثُل العليا، من الصبر والتحمل، والتعاون والإيثار، بعيداً عن العنف والشدة، والمزاحمة والإيذاء. ويقول الشيخ العبدالكريم: يجب أن يعي الحجاج هذه الفريضة العظيمة، وأن يلتزموا بهذه الوصايا في قلوبهم، ويتملثوها واقعاً عملياً بأفعالهم وسلوكهم، وأن الأمة الإسلامية - اليوم - لفي أشد الحاجة إلى استجلاء دروس الوحدة والإيمان، والصبر والمثابرة، والتعاون والإخاء، والاجتماع والقوة، وكلها من ثمرات وآثار هذه الفريضة العظيمة التي جمعها الله بقوله سبحانه: {ليشهدوا منافع لهم} (الحج: 28). وفود الملك العلام، وفدَتُّم إلى هذه البقاع المقدسة، فاشكروا الله سبحانه، وانصرفوا إلى العبادة والطاعة، فقد وفرت لكم الإمكانات الكثيرة، والخدمات الوفيرة، بفضل الله، ثم بفضل ما يوليه المسؤولون عن خدمة الحجيج من فائق عناية، وحسن رعاية.