الوفاة والدفن في تراب البقاع الطاهرة عشق يراود أذهان المسلمين والحجيج من شتى أنحاء المعمورة كيف لا وموطن البركة والخير والرسول والكعبة ونور الرسالة وبزوغ بركة الإسلام على أرض هذه الأرض الطيبة وهذه الخيرات تجعل البعض يترجم الفكر على أرض الواقع ويلجأون إلى الانتحار فما حكم من ابتلي بهذه الأفكار؟! وما حكم قتل النفس بالانتحار في البقاع الطاهرة؟! وما المكانة لمن شرفه الله الموت في البقاع الطاهرة فمات أثناء أداء عبادته؟! فرق بين الموتتين والدفن واحد.. «عكاظ» طرحت القضية مع نخبة من العلماء والفقهاء والشرعيين في سياق السطور التالية: بداية تحدث أستاذ الفقه المشارك في جامعة القصيم وعضو التوعية الإسلامية في الحج الدكتور خالد المصلح قائلا «لا شك أن الخروج للحج من الأعمال الجليلة والعبادات العظيمة فكل من كان في طريقه لهذه الفريضة فهو في عبادة حتى يعود لبلده». ونبه أن موت الإنسان سواء أكان محرما أو غير محرم أو على أرض الحرم أو غادر البقاع الطاهرة أو إذا كان في طريقه للعبادة أو وقت عودته فموتته على أنواع الحالات السابقة حسن والسبب الدلائل الطيبة التي كان عليها لقوله تعالى (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله)، وذكر أن في الآية السابقة بشارة على الموت الحسن عند نية العبادة. ونوه أن من مات في إحرامه فسيبعث ملبيا كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (أن رجلا كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرما فوقصته ناقته فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) والسبب بعثه ملبيا أي مرددا (لبيك اللهم لبيك) لموته قبل التحلل وهذا دليل الخاتمة الحسنة وجميل العاقبة. ونبه المصلح أن هذا الفضل لمن مات في غير تسبب لنفسه في الوفاة وليس كما يفعله بعض الحجيج من إلقاء أنفسهم إلى التهلكة وذلك تعمد الموت في البقاع الطاهرة قائلا من مات على هذه الحال فلا يدخل في الفضيلة بل يلقي بنفسه إلى التهلكة والله سبحانه وتعالى يقول (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة). وأشار إلى أن الموت بسبب التدافع مختلف فمن علم في نفسه عدم القدرة على الزحام ومات بسبب ذلك فيخشى أن يتحقق فيه قول الله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، قائلا هذه الحالة من الموت تجعل الإنسان آثما. وبين أن الانتحار لا يتحقق إلا إن قام الإنسان بما يؤدي إلى قتله يقينا مع وجود القصد والإرادة مشير إلى أن الوعيد الشديد جاء في من قتل نفسه بقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم (من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا). لا يكفن المحرم أما عضو هيئة التدريس في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور محمد موسى الشريف فأكد أن موت الحاج في حجه نوع من الشهادة قائلا: «الدلائل الكبرى على موت الإنسان على الخير لقياه لربه وهو محرم كما مات عليه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإحرام فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم ألا يقربوه طيبا وأخبرهم أن هذا الرجل يبعث يوم القيامة ملبيا». وعلق على عدم تكفين الميت المفارق للحياة بإحرامه لكنه أفصح عدم وجود فضل خاص للموت في المشاعر سوى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (من استطاع أن يموت في المدينة فليمت). وأردف أن الأجر مضاعف على قدر المشقة فمن باع ما عنده وضحى بما يملك وظل طوال عمره يجمع لهذه الأيام حتى وصل أرض الحرمين فلا يقارن بمن لم يقدم التضحيات، معلقا الانتحار في الحج للحصول على الأجر نادر ولا يفعله سوى من اختل عقله. المسألة بالكيفية أما عضو هيئة التدريس في جامع الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور حمد الماجد فقال «ما أفهمه في موت الحاج وأجره يعود على قدر المشقة لقوله صلى الله عليه وسلم (رب درهم سبق ألف درهم)». مضيفا «لو تأملنا الحديث السابق لوجدنا صاحب الدرهمين عند تبرعه مثلا بدرهم فكأنما تبرع بنصف ماله وهذا يختلف عمن تبرع بألف منها وهو يملك المليون فالمسألة ليست بالكمية بل الكيفية». وأكد أن الميت في الحج يدفن بإحرامه دون تكفين لقوله صلى الله عليه وسلم (بينما رجل واقف بعرفة، إذ وقع عن راحلته، فوقصته أو قال: فأوقصته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه. ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا وفي رواية ولا تخمروا وجهه ولا رأسه). وشبه المنتحر في الحج بعدما أراد الخير لنفسه بالحج بقوله تعالى (كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) والسبب أنه هدم الخير بالانتحار المؤدي للنار. مستشهدا بقصة الجريح الذي قال عنه الصحابة: يا رسول الله ما أبلى أحد اليوم مثل ما أبلى فلان، فصعقهم النبي صلى الله عليه وسلم وفاجأهم بخبر لم يخطر على بال بقوله عليه السلام أما إنه من أهل النار فتبعه صحابي ووجده يوضع نصل سيفه في الأرض فاتكأ فقتل نفسه، فمات منتحرا قاتلا لنفسه، فجاء الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: أشهد أنك رسول الله، قال وما ذاك، قال: الذي قلت عنه في النار حصل له كذا وكذا، وشدد على أهمية التوعية في الحج لكل من أراد أداء الفريضة قائلا هذه مسؤولية الحملات المخولة بذلك. منبها أن الموت وسط المشاعر وفي الحج أثناء أداء العبادة خير لكنه يتحول لمصيبة عظمى عند الانتحار. أما الأستاذ المشارك في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور هشام آل الشيخ فقال «لاشك أن الحج من أعظم أنواع الجهاد إلا أن الحالة الأفضل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلا رجلا خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء)». وذكر أن من حرص أداء الفريضة وجاء من أقاصي الدنيا جامعا أمواله فهذا فضل عظيم عند الله كونه جاء ملبيا لنداء إبراهيم بعدما أمره ربه بقوله (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق). مضيفا «ليس المعنى أن يأتي الإنسان للحج قاصدا الموت كما عليه فكر البعض فالانتحار من التهلكة الذي حذر منه رسول صلى الله عليه وسلم»، منبها أن قتل النفس سبب لدخول النار والخلود فيها. وشدد آل الشيخ على عدم جواز قتل النفس سواء أكان في أشرف البقاع أو أي مكان على الأرض كما قال تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) وقال سبحانه في آية أخرى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) . مبينا عدم جواز الدخول للأماكن المزدحمة لما فيها من وقع للتهلكة قائلا من فعل ذلك ومات في الزحام فهو آثم ومأزور غير مأجور، وذكر أن تعمد الإنسان الموت يعد من الانتحار أما إن أتى من بلده وألجأه الزحام لمكان ضيق ثم فمات فهذه موتة طبيعية. غلو في الخاتمة أما عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى الدكتورة حياة با أخضر فأكدت أن حسن الخاتمة مطلب كل مسلم ومن داوم على شيء مات عليه. وذكرت أننا نجد غلوا لدى بعض الحجاج في الوصول لهذه الخاتمة فيحرص البعض على الموت في الحج بالدخول إلى الزحام أو حضور أصحاب الأمراض المزمنة وتعريض حياتهم تعمدا للخطر أو ربما كبار السن الذين لا يستطيعون إتمام مناسك الحج رغم أدائهم الحج له سابقا أو ما نسمع عن بعض حالات الانتحار. مبينة أن من مات في الحج ميتة طبيعية فسيبعث ملبيا وله وضع خاص في التجهيز كما جاء في الحديث المذكور آنفا. وأشارت إلى أن من يموت انتحارا إن صدقت القصص المتداولة فقد قام بجريمة كبرى وسوء خاتمة، كما عرض نفسه لعقوبة إلهية كما قال سبحانه وتعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما. ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا). وأفصحت أنه ثبت في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يلجم بها بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم). واستشهدت على هؤلاء بحديث الرجل الذي خرج مجاهدا ثم ختم له بسوء فعن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه فقالوا ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنه من أهل النار والسبب أنه جرح جرحا شديدا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أشهد أنك رسول الله قال وما ذاك قال الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار فعل كذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة. قصة عنكبوتية مستشهدة بقصة حديثة كما تداولتها الشبكة العنكبوتية أنه وفي مطار القاهرة أصر راكب إنهاء إجراءات سفر زوجته المرافقة له والمصابة ب«غيبوبة كبدية» إلى الحج، وذلك لتموت في البقاع المقدسة أثناء أدائها المناسك حسب رغبتها فتم استدعاء طبيب الحجر الصحي في مطار القاهرة، وبالكشف على الراكبة تبين خطورة حالتها ومعاناتها من غيبوبة كبدية تستدعي نقلها المستشفى وتم على إثره إلغاء سفرها رغم إصرار زوجها تسفيرها لتموت في المشاعر. ونوهت أن من دخل الزحام بغير نية القتل لنفسه ثم مات فلا يعد انتحارا بل إلقاء للنفس في التهلكة المنهي عنها ولا عذر للحجاج حاليا أمام مسألة الزحام بعدما تعددت أدوار جسر رمي الجمرات، إضافة أن الوقت متسعا ولا يشترط وقت بعينه، مشيرا إلى أنه من رمى بنفسه متعمدا لكونه جاهلا فحكمه يعود لهيئة كبار العلماء .