لفت إضراب العاملين في هيئة الإذاعة البريطانية «BBC» عن العمل أنظار الإعلاميين والمتابعين في العالم، إذ كانت فاعليته السلبية كبيرة حيث توقفت وغابت الكثير من البرامج لا سيما تلك المعد لها والمعلن عنها سلفا. الإضراب الذي نفذ من قبل موظفي الهيئة لمدة 48 ساعة من قبل الاتحاد الوطني للصحافيين في بريطانيا كان نتيجة إلغاء نظم المعاش للصحافيين المعمول بها واستبدالها بمقترحات ما زالت دراستها متداولة للعمل بها مستقبلا، وتلزم هذه المقترحات الإعلاميين سداد مساهمات مالية أكبر إلى جانب العمل لأوقات أطول من المعتاد، الأمر الذي لم يتقبله اتحاد الصحافيين. هذه الحادثة التي شهدها الإعلام البريطاني تعيدنا إلى الكثير مما شابهها من حالات في الحياة الإعلامية وغيرها من المجالات الحيوية، وذكرتنا بما سبق من حالات مشابهة في بريطانيا نفسها، كذلك في فرنسا قبل فترة. الاختلاف فيما تتركه هذه الإضرابات بين تطبيقها إعلاميا أو في المجالات الحيوية الأخرى في 0، مثل إضراب سائقي القطارات أو البريد أو غيرها من القطاعات جعلنا نتجه باسئلتنا إلى العديد من أساتذة ونجوم الإعلام وحياض العمل فيه، كان منهم الإعلامي والنجم الشهير جورج قرداحي صاحب التجربة الكبيرة في العمل في بريطانيا، وكان آخرها إدارته لإذاعة MBC-FM في لندن بعد مراحل تأسيسها وعمله في إذاعة الشرق في باريس قبل ذلك، فقال «ثمة اختلاف كبير بيننا والغرب في المطالبة بالحقوق واتخاذ قرار بشأن الموظف وما تنتهي إليه حالات المعاش بعد التقاعد وفي بريطانيا بالتحديد، صحيح أن الأمر مربك وفيه ضرر يقع على قطاعات كثيرة هناك لأن المواطن استفادته من الإعلام هناك أكبر بكثير من عالمنا العربي، حيث تتابع البرامج الإذاعية الصباحية المفتوحة كل مجالات وأنشطة الحياة بدءا من حركة المرور في وقت «الرش»، مواعيد الوظائف، والمدارس، وما إلى ذلك، لذا كانت مهمة التعويض صعبة وفاعلية الإضراب كبيرة، وفي الوقت نفسه كإعلامي قد أجد لهم العذر في طرح الموضوع للمناقشة حتى لا تضيق بهم الحال في مرحلة «عندما يأتي المساء» عند الإعلامي التي في الغالب تكون صعبة بعض الشيء بعد التقاعد». ويقول الناقد والإعلامي الدكتور فكتور سحاب مدير الإذاعة اللبنانية سابقا «هذه موضوعات وأحداث طبيعية في تلك المجتمعات للمحافظة على حقوق الإعلامي، صحيح أن التأثير السلبي كان كبيرا مما اضطر هيئة الإذاعة البريطانية للعودة لأرشيفها وبث الكثير من البرامج المسجلة لتلبية حاجات العديد من الإذاعات وتعويض مساحات الزمن المفتوحة فيها ببرامج مسموعة قبلا». ويرى مدير العلاقات العامة في قناة العربية والكاتب الصحافي ناصر الصرامي أن المسألة تختلف كليا لعدم وجود أرضية لثقافة الاعتراض، مرجعا ذلك لاختلاف آليات العمل الإعلامي في الدول العربية عموما والمملكة خصوصا، فالعاملون التابعون لوزارة الإعلام يشغلون وظائف رسمية تتبع للحكومة وبالتالي فإن فصل أحدهم أو الاستغناء عنه أمر في غاية الصعوبة، ويحتاج لقرار من سلطة عليا. مضيفا «أما القطاع الإعلامي الخاص فهي مؤسسات قائمة على الربح والخسارة وعندما تريد أن تعين موظفا ما فإنها تبرم عقدا معه تحفظ حقوقها القانونية فهي تستطيع الاستغناء عنه في حال إخلاله بأي شرط أو تعرض المؤسسة للخسارة، وبالتالي فإنه لا يمكن المقارنة بين الحالة العربية وما حدث في هيئة الإذاعة البريطانية». وأشار الصرامي إلى أن العاملين في هيئة الإذاعة البريطانية يعتبرون موظفين رسميين يستلمون مرتباتهم من الحكومة البريطانية، وبالتالي فإن تعرضهم للظلم يدفعهم للإضراب وهي حالة لا يمكن مقارنتها بالمؤسسات الأخرى، مشيرا إلى أن ما ينظم مسألة الإضرابات ليس العاملون أنفسهم وإنما النقابات التي تدعو الإعلاميين للإضراب في حال تعرضهم لأي ظلم أو مضايقة.