توجد مادة غاية الإثارة في الجدل، وهذه المادة تمثل لقيا بين الممارسة الإنسانية البناءة التي يسمونها أخلاقا وبين علم الأحياء بوصفه نتاجا يتناول الإسناد الطبي في حالته العلاجية من خلال البحث والتجريب.. ها نحن إذن أمام مشروع اسمه أخلاقيات علم الأحياء - Bioethics. الحقائق تقول لنا إن أخلاقيات علم الأحياء لا تزال بعد في مهدها.. ولبعض من ذلك يمكننا أن نسقط عليها إحدى السمات الرئيسية من الخيال العلمي، ويمكن لنا من خلال سيناريو نقل معلومات مفيدة. وبالطرف المقابل يمكن لسيناريو على نحو آخر أن يضع الموقف الإنساني برمته في مواجهة وصمة عار لا يمكن التكهن بها. المطويات التاريخية بهذا الصدد الأخير مليئة بالمآسي والكوارث التي لا يزال البعض منها قيد الإنكار لأن أحدا لم يكتشفه بعد، فيما لا تزال بعض القصص تطفو على السطح من وقت لآخر من خلال تجاوزات تتناقض مع حقوق المرضى ومع حقوق الصحة العامة وقواعد البحث وأيضا تتناقض مع حقوق الإنسان، ومن خلال كتاب أخلاقيات علم الأحياء يكشف لنا المؤلف جورج آناس الكثير من تجاوزات المسؤولية الأخلاقية لممارسات الطب، هذا عدا طرق البحث البيولوجي التي تبدو لنا في الظاهر أنها تقدم خدمات جليلة للطب ولكنها من الداخل تعصف بأخلاقيات علم الأحياء لأن تلك الأبحاث تنطوي على كثير من التضليل والخداع لاستكشاف تغييرات جذرية في الممارسة الصحية العامة.. ومن هنا ربما يتحول القانون الدستوري في الطب، وحقوق الإنسان لتعزيز صحة البشر ورفاهم إلى أسوأ الكوابيس. وطبعا فكتاب أخلاقيات علم الأحياء لجورج آناس لم يظهر بين عشية وضحاها وإنما جاء ليكمل فصولا أخرى لم تنته بعد من خلال كتاب «الطب الإمبريالي والمجتمعات المحلية» للمحرر دافيد آرنولد.. لقد وضع الأخير كتابه فيما أعتقد حوالي عام 1998م وكان يتناول من خلاله.. وقتئذ الإجابة على أسئلة خطيرة مثل ما مدى عقلانية وإنسانية الطب الغربي في المستعمرات.. وما الذي يمنع الممارسات الطبية أن تكون سلاحا آخر من بين ترسانات الأسلحة الأيديولوجية لأدوات ممارسة السيطرة الأوربية على العالم الأقل نموا وتحضرا .. الذين تناولوا الموقف الأخلاقي لعلم الأحياء والتجارب الطبية قبل صدور كتاب Bioethics - لجورج آناس قالوا إن الأوربيين شكلوا صلات وبائية جديدة إما بنقل عدوى أمراض مثل الجدري والحصبة التي كانت أعراضها موجوده في أوربا منذ زمن طويل أو بإرساء روابط بين أجزاء من العالم لم يكن يوجد قبلها صلات كثيفة بين الواحد منها والآخر. انتقل الطاعون من هونج كونج عام 1894 إلى بومباي عام 1896 وإلى كيب تاون في عام 1900 ثم إلى نيروبي عام 1902 ثم إلى غرب أفريقيا بعد حوالي عشر سنوات. وبطبيعة الحال ما كان ذلك ليحدث من الناحية الباثولوجية لولا وجود وسائل نقل وروابط إمبريالية.. على أية حال يناقش المؤلف جورج آناس فيما لا يقل عن 335 صفحة قصصا من هذا القبيل بطي ثقافة الموت وهو يطلق عليها دون مواربة الإرهاب البيولوجي - متناولا مسألة أمن المرضى الواجب توافرها في العلاقة بين الإدارة الطبية ومن يتولى الأطباء إسداء الخدمات الصحية إليهم في إطار إنساني سليم من قانون الطب وحقوق الإنسان.. وكان المؤلف جورج آناس سبق له إصدار كتب أخرى بالتعاون مع مفكرين وقانونيين آخرين تتناول القانون الأمريكي لأخلاقيات علم الأحياء، هذا عدا كتاب آخر يتناول الكشف عن العلاقة الافتراضية بين القانون والطب وقوانين السوق الدوائية - لكن الأشهر من بين كتبه هو طب الأجنة والقانون، هذا عدا القانون الأمريكي للصحة العامة - ويجدر بالذكر أن صدور الكتاب جاء متزامنا بعض الشيء مع الاعتذار الذي تقدمت به وزيرة الخارجية كلينتون في الأول من أكتوبر لهذا العام إلى حكومة جواتيمالا، حيث حقن الفريق الطبي الأمريكي مئات مواطنين من جواتيمالا بسرنجات تحتوي على عدوى جرثومية لأمراض الزهري والسيلان من غير دراية ضحاياهم.. في الأربعينيات من القرن العشرين. وأوضحت هيلاري كلينتون في تصريح مشترك لها مع وزير الصحة كاثلين سيبيليوس أن هذه الدراسة قد أجريت على بشر من جواتيمالا -ما بين عامي 1946 و1948- من أجل اختبار العدوى الفيروسية لبعض الأوبئة الجنسية داخل أجسام الناس ومن خلال أسلوب غير اخلاقي، وقدما اعتذارا إلى جميع الأشخاص الذين لا يزالون على قيد الحياة ممن تأثروا بالإجراء البحثي للزهري والسيلان. وجاءت هذه الدراسة التي لم تنشر أبدا، بعد أن عثرت بروفيسورة سوزان ريفربي هذا العام من كلية وليسلي على وثائق محفوظة بطي الأرشيف تستعرض تجربة مثيرة للجدل حول الصحة العامة أجريت بقيادة طبيب أمريكي للصحة العامة اسمه جون كاتلر. في تلك السنوات، وبعيدا عن أعين الرقيب.. وجد الدكتور كتلر ورفاقه الفرصة مواتية لحقن بعض سكان جواتيمالا بما في ذلك مرضى نفسيون وعقليون بحقن الزهري والسيلان وكان الفريق الطبي الأمريكي يستهدف من خلال تجاربه على البشر عام 1940 مدى قدرة البنسلين وقتئذ منعه لانتقال عدوى الزهري والسيلان من شخص لآخر. ولا توجد هناك أية شواهد أن الفريق الطبي الأمريكي أبلغ ضحاياه بحقيقة السرنجات، بل على العكس فقد خدعوا ضحاياهم وبذلك فقد ارتكبوا تجاوزات خطيرة جدا لأخلاقيات الطب.. على أمل أن يحققوا بعض النتائج على حساب استخدامهم بعض السكان كما لو كانوا جرذان تجارب بشرية. وأظهرت خلفيات الوثائق التي لم يكشف النقاب عنها إلا متأخرا جدا أن عدد المشاركين في التجربة الأمريكية من غير درايتهم بلغ حوالي 1500 شخص من الجنسين. Worst case bioethics: death, disaster, and public health Author: George J. Annas 335 pages.. Oxford University Press, 2010..