لعل أحد الأسئلة المقلقة في عصر ما بعد التعرّف إلى التركيبة الكاملة لشيفرة الوراثة («الجينوم» - Genome) عند البشر، هو عن الأخلاقيات التي تتلاءم مع هذا العصر، الذي انكشف فيه الإنسان وتركيبته العميقة أمام علوم الطب والبيولوجيا Biology التي تُسمى أيضاً «علم الأحياء» لأنها تتناول الكائنات الحيّة كافة. ولأن الاهتمام بمسألة أخلاقيات العلوم الأحيائية، بمعنى القيم والمفاهيم والقوانين والسلوكيات المتّصلة بها، تشمل الإعلام ووسائله والعاملين فيه، دأب «برنامج سليم الحصّ» في «الجامعة الأميركية في بيروت»، على عقد مؤتمر سنوي يتناول هذا الموضوع. وقبيل ختام عام 2012، استضافت هذه الجامعة البيروتية المؤتمر الرابع ل «برنامج سليم الحص للأخلاقيات الأحيائية»، تحت عنوان «الإعلام والأخلاقيات الأحيائية»، بالتعاون مع كلية الطب في الجامعة الأميركية ومركزها الطبيّ، بحضور عدد من الباحثين. وهدف المؤتمر إلى الإضاءة على دور وسائل الإعلام في تعميم المعلومات عن الأخلاقيات الأحيائية، واستكشاف طُرق لنقل وقائع متعلقة بأخلاقيات العلوم الأحيائية. بدأ المؤتمر بكلمة ألقاها الدكتور كمال بدر نائب عميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، وتناولت أهداف المؤتمر. ثم ألقت لور سليمان مديرة «الوكالة الوطنية للإعلام» كلمة أوضحت فيها أن «الأخلاقيات البيولوجية هي دراسة فلسفية للخلافات الأخلاقية الناجمة عن التقدم في مجال البيولوجيا والطب»، مؤكدة أن «أخلاقيات مهنة الصحافة مادة أساسية يتعلمها الإعلامي في المعاهد والجامعات ويمارسها في عمله اليومي، ما يقرّبه من الموضوعية والحياد والشفافية والصدق». وتناولت الدكتورة تاليا عراوي مديرة «برنامج سليم الحص» تأثير الإعلام في المجتمع وقيم المشاهدين ونمط الحياة السياسية في المُجتمع. ورأت أن وسائل الإعلام «يجب أن تلعب دور المُثقّف والمُعلّم، وتواكب القضايا الطبيّة المتطوّرة ومواضيعها». وتحدث في المؤتمر آرثور كابلان مدير «مركز الأخلاقيات الأحيائية» في «مركز لانغون الطبيّ» في جامعة نيويورك، فتناول التطوّر التاريخي للأخلاقيات الأحيائية منذ سبعينيّات القرن الماضي، مشيراً إلى أن هذه الأخلاقيات «تؤمن أرضية مشتركة للنقاش العام عن أمور الطبّ، بما فيها المصطلحات واللغة». واعتبر كابلان أن العلاقة مع الإعلام «تضمن تعميم الفائدة لأوسع شريحة من الجمهور»، مقدماً مجموعة من النصائح في التعاطي مع الإعلاميين، ومُشدداً على أهمية الاستعانة بوسائل الإعلام الحديثة «بطريقة مهنيّة وموثوقة». وعرض مجموعة مواضيع طبيّة دقيقة، كالتلقيح الاصطناعي، طارحاً كيفية مقاربتها من منطلق الأخلاقيات الأحيائية. وتطرّق نبيل دجاني رئيس دائرة علم الاجتماع والدراسات الإعلاميّة في الجامعة الأميركية إلى وضع الإعلام في لبنان. وانطلق من مقولة «المسؤولية الاجتماعية» في علم الإعلام والتواصل، مستعرضاً وضع طلاّب الإعلام «الذين يتدرّبون على اصطياد الخبر من دون التركيز على التفكير النقدي خلال هذه العمليّة». وتمنّى «على الإعلام والإعلاميين التركيز على الدقّة والاحترافيّة العالية، مع التنبّه إلى المعايير الثقافية والاجتماعية والإنسانيّة».