لقد ابتليت الأمة منذ بزوغ فجر الإسلام بمن خرج عليها فكراً وسيفاً، إنهم الخوارج الذين خرجوا على مجتمعات المسلمين عبر التاريخ منابذين لكثير من قيم الإسلام ومبادئه وأسسه، ولا زالت تلك الشرذمة تحيك الفتن أضرارا بمكتسبات المجتمعات الإسلامية عبر التاريخ وقد بين عليه الصلاة والسلام سوء معتقدهم وضلال ما هم عليه وحدثنا عليه الصلاة والسلام عن أن الأهواء ستمتد بالقوم حتى يقاتلوا مع الدجال، فقد روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في حديث مخبرا عن مآل الخوارج «حتى يخرج في عارضتهم الدجال» أي في ناحيتهم، وفي حديث عند النسائي في سننه بإسناد فيه ضعف قال عليه الصلاة والسلام حتى يكون أخراهم خروج مع الدجال. وبهذا يظهر لكل ذي فقه في الدين أن الخوارج خنجر غادر في جسد الأمة بغى عليها ولا تزال الدول الإسلامية تجاهده وهو في صغار وذلة وهوان وهزائم تترى قابعا في أوكار الفتن مشعلا لها. وعندما نتأمل الواقع التاريخي لما مر ويمر به معتقد الخوارج وتمر به تنظيماتهم السرية نجد أنه يتلاشى ويضمحل ويضعف إذا اجتمعت إرادة السلطة وتبيان أهل العلم على منابذة ومجاهدة ومحاربة فلول الخوارج وعقائدهم وبهذا ندرك أسباب انحصار فكر الخوارج أو انتشاره ما بين زمن وآخر. وإذا قلبت نظرك في واقع ما آل إليه أمر الخوارج ودعوتهم اليوم تجد حقيقة يصدع بها كل ذي تجرد يبحث في واقع الدعوات المنحرفة عقديا وفكريا، إنها حقيقة أن خوارج هذا الزمان في ديارنا يعيشون لحظات الاحتضار الفكري والدعوي، وتتجلى هذه الحقيقة في أمور من أبرزها: ظهور بطلان معتقدهم لعوام الناس وبسطائهم فلم تعد أطروحات القوم العقدية من الحديث عن ما يدعيه دعاة القوم من خزعبلات تجد لها مستمعا فقد اتضح لعموم الناس أن ما يهرطق به الخوارج من أطروحات ليس إصلاحا ولا إسهاما في بناء وإنما محاولة بائسة لإشعال فتنة التناحر والاحتراب. ولقد عاين العديد من الذين غرر بهم تنظيم القاعدة من أبناء ديار المملكة ببصيرة الهدى التي أرشدهم إليها العلماء والدعاة الصادقون مقاصد الخوارج مجسدة في ميدان جهادهم المزعوم، إذ رأى التائبون فيها استحلالا لدماء الأبرياء وأإعمالا للسيوف في كيان الأمة وهدما لمصالح وإفسادا في الأرض وزجا بأولئك التائبين قبل متابهم في محرقة التفاني في خدمة التنظيم في معركة طرفها الأول مجتمع مسلم وطرفها الآخر شباب مغرر بهم ينشد مجداً لم يجدوا له قواما ولا بريقا ولا حقيقة. كما قرأ المتابعون لأخبار القوم بعين البصيرة قبل البصر من وسائل إعلامنا الوطنية ما تزعم القاعدة أنها أنجزته في بلاد كانت لها صولة وجولة فيها كالصومال ومن قبل أفغانستان فلم يجدوا شيئا تحمد به القاعدة بل وجدوها دمارا وتخريبا وهدما وتشريدا ومجاعات وجهالة وتخلفا. فكان هذا الواقع جوابا لكل سائل يسأل عن قيم القاعدة وإنجازاتها.. ولو أردنا أن نذكر أسباب تجلي حقيقة أن تنظيم القاعدة قد خسر معركته الآثمة وهو يعيش الآن انحصارا وهزائم فكرية كثيرة فإننا نجد أسبابا كثيرة من أبرزها سببان أولهما الجهد الأمني وقد قرأت أيها الموفق وسمعت بيانات بإنجازات للأجهزة الأمنية في مجال مكافحة الفكر الضال وإبطال مخططاته، وأما السبب الذي أود تبيانه فهو ما بذله علماء صادقون ودعاة عاملون في كشف زيف دعاوى القاعدة وفي مقدمة هؤلاء هيئة كبار العلماء منذ ظهرت فتنة الخوارج وكذلك جهود الدعاة الرواد في الدعوة في ديار المملكة على اختلاف مشاربهم في توافق وتعاون علمي جعل تنظيم القاعدة يخسر رهانه المأفون على دعاة ظنهم على أقل الأحوال سيسكتون عن قبيح جرمه فإذا به لا يكاد يفيق من ضربة أمنية حتى تفجأه صواعق دعوية وعلمية من علمائنا ودعاتنا الربانيين. ولم يكن لأولئك العلماء أن تثمر وتنجح جهودهم إلا بفضل الله سبحانه ثم بإيجاد الدولة لكل وسيلة دعوية و إعلامية لها أثر في هداية الضالين والمغرر بهم ولها أثر في تحصين المجتمع ومن أبرز تلك المؤسسات وزارة الشؤون الإسلامية والكليات الشرعية والمعاهد الدينية، وجدير بنا أن نخص بالذكر مركز الأمير محمد بن نايف الذي كان له أثر بارز في هداية الضالين من شبابنا والمغرر بهم من خلال أخذه بوسائل دعوية مشروعة ومنها وسيلة الحوار الذي يتيح لمن يجادله العلماء والدعاة والتربيون أن يدلي بحججه ويفصح عن أصول معتقداته والأسس التي بنى عيها شبهاته فلا يخرج من المناظرات تلك إلا وقد أبصر الحق وبنى فكره على بصيرة ولا تنحصر جهود هذا المركز على إعمال وسيلة الحوار بل إنه مركز يسهم في رعاية شباب الأمة المغرر بهم ومن لديهم شبهات رعاية فكرية وفي شتى مناحي حياة أولئك الشبيبة، ومع ما ذكرته فإني أجدد تحذير المواطنين والمقيمين من أن التنظيم لديه ما يسميه بالبيات الفكري والعسكري فينبغي لنا التفطن لكيد القوم ومكرهم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. * المشرف العام على الدعوة والإرشاد بفرع وزارة الشؤون الإسلامية في المدينة وخطيب جامع الخندق