قبل أيام كما نشرت (سبق) تم الحكم على محرر صحافي بالسجن شهرين وخمسين جلدة، والسبب يعود إلى أن المحرر الصحافي قام بنشر موضوع في إحدى الصحف عن انقطاع الكهرباء، ومع أن النشر حدث بالتأكيد بعد الحدث ولو بيوم واحد إلا أنه وعبر ما أشارت «التحقيقات» أنه قام بتحريض البعض على التجمهر عبر إرسال رسائل جوال. «جريمة» التحريض هذه استحق عليها المحرر الصحافي الحكم الذي صدر بحقه.. وهنا يجب مناقشة أمرين، الأول هو لو افترضنا أنه قام بذلك فعلا لكن لأناس لم تنقطع عنهم الكهرباء فهل تفعل رسالته فعلها ؟. أي هل سيخرج الناس لو لم تنقطع عنهم الكهرباء ؟ ... والثاني أن التصدي للمتلاعبين بحقوق المواطن هو فعل هيئة وجمعية حقوق الإنسان التي تطالب الأطفال المعنفين حتى من آبائهم أن يحتجوا ويبلغوا عن ذلك العنف وكذلك المرأة والضعيف، بل هي تسعى إلى نشر هذا «التحريض» في المدارس لكن من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان، فهل فعل المحرر الصحافي غير ذلك ؟. الإشكال الذي يجب طرحه هنا حول الجلد له بعدان، بعد إنساني يجب أن يحرم الجلد بغير ما أنزل الله لكل الناس، والثاني يخص امتهان كرامة الصحافة وجلدها ربما انتقاما من دورها التنويري الذي تقوم به في عهد خادم الحرمين الشريفين رائد الإصلاح والحوار، وهنا يجب التنويه أن هناك دورا لهيئة وجمعية حقوق الإنسان لم تفعلاه في الاحتجاج على جلد الصحافي، وهناك دور لهيئة الصحافيين التي ينبغي عليها الدفاع عن المحرر الصحافي، وأن لا تقف متفرجة لأن الصحافي هو مسؤوليتها، وجلده جلد لها. وفي مقابل منظر الجلد ذاك يخرج علينا سمو الأمير فيصل بن عبدالله بن عبدالعزيز رئيس هيئة الهلال الأحمر بعنوان في صحيفة الوطن في عددها الصادر في 31/10/2010 ليصرح: «إذا لم تستجب الصحة لجأنا إلى الصحافة». وهو تعبير واضح أن الصحافة «سلطة رابعة» قادرة على تحقيق النقد والشفافية لإيضاح الأخطاء، وكشف الفساد والتقصير في أداء المهام المناطة بالجهات التنفيذية، وبالذات التي لها صلة بحياة المواطن وحاجاته الضرورية، كالمأكل والمسكن والصحة والتعليم والأمن، وغيرها. سمو الأمير بعد أن أبدى انزعاجه من النقص الحاد في أساسيات طب الطوارئ في المستشفيات مشيرا إلى عدم توفر اسطوانات الأكسجين، والأشعة لا تعمل في بعض تلك المستشفيات، طالب وزارة الصحة بتطبيق ما اتفق عليه سابقا. وتمنى أن تكون هناك ضوابط وأنظمة للعقوبات ينبغي تطبيقها لكي تدفع غرامات تصل إلى مائة ألف ريال للمستشفى الذي يرفض استقبال مصاب.. وعبر عن معاناة الهلال الأحمر وعلاقته مع أقسام الطوارئ في المستشفيات، وعاتب وسائل الإعلاام قائلا: «أنتم دائما ما تقولون في الصحف إن الهيئة تتكفل بإجراء الأعمال المناطة بها، والصحيح أنها لا تتكفل، وإنما واجبها الحتمي الذي يتطلب عمل ما يفيد المواطنين دون منة منها» .. هنا هو يطالب الصحافة بممارسة دورها الحقيقي وهو أن تكون كاشفة وشفافة وتعبر عن حقوق المواطن دون منة من أحد، فكل الجهات التنفيذية عندما تؤدي واجبها فهي لا تفعل إلا ما يجب عليها أن تفعله وإن لم تفعل فلابد من مطالبتها بواجباتها، فهي ملزمة ب «واجبها الحتمي» كما عبر سمو الأمير الذي ينبغي أن تقوم بفعله. هكذا هو دور الصحافة كما يطرحه سمو الأمير فيصل بن عبدالله، وهو يطرح ما يطرح في الصحافة، فهو يعبر عن التوجه الذي تستوعبه الدولة، ولكنه لازال ضيقا جدا على الكثير من الجهات التنفيذية والكثير من المعادين لتوجهات الصحافة التنويرية.. إنه في النهاية منظر فيه مفارقه بين الذين مازالوا يجلدون الصحافة، وبين من يطالب الصحافة بالحث على الواجب ونقد الظواهر المعادية لحقوق المواطنين.. و «تحريض» الصحافي هذا لم يحصل في رسالة جوال، بل في الصحافة ذاتها.. أليس مفارقة أن يجلد صحافي لأنه طالب بحق شرعي للمواطنين في الوقت الذي يلجأ الأمير إلى الصحافة ضد من يستهينون بحقوق المواطن ؟!!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 193 مسافة ثم الرسالة