كلما قرأت لأحدهم فلقيته يكثر من الاستشهادات بأسماء غربية ثم تتبعت أقوال هذه الأسماء فلم أجد فيها غريبا ولا لطيفا ولا استثنائيا ولا مهما ولا فاتنا، قرفت من الكاتب وكتابته وهجرته، عقدة النقص هذه تقرفني ولا يمكن قبولها من غير مبتدئ صغير السن، وتذكرت تلك الليلة رغم بعد المباشرة كنا مجموعة من الشعراء والأدباء والمثقفين وكان بيننا شخص واحد من دولة عربية شقيقة نحبها ونقدرها، لكنه كان أقل بكثير من أن يمثلها، فقد كان شاعرا رديئا ومثقفا هشا ومتهافتا، كنا جميعا نلبس ثيابا وعلى رؤوسنا أشمغة وعلى أشمغتنا عقل (جمع عقال) فهل كان ذلك ذنبنا؟ ما أنا متأكد منه أن صاحبنا الوحيد الذي كان يلبس البنطلون والقميص والجاكيت، كسب مزايا هذا الزي سريعا، فبالرغم من كوننا جميعا ضيوفا في منزل الكريم صاحب الدعوة على العشاء إلا أن الاحتفاء بالشاعر صاحب البدلة كان واضحا لدرجة أن عددا منا اضطر بالأمر المؤدب إلى إخلاء مكانه له في أكثر من مناسبة في المجلس أولا وعلى مأدبة العشاء ثانيا وحين جلسنا بعد نزهة قصيرة في الاستراحة وحين عدنا للمجلس أيضا، وكان الحديث يبدأ موجها إليه فإن شاء عممه علينا وإن شاء قطعه عنا وكأن دعوتنا تمت لإضفاء جو مريح للشاعر أبو قميص رغم أن معظمنا وربما جميعنا لم يسبق له رؤية الداعي وجها لوجه في غير تلك الليلة، وأظن أن أحد مستشاريه هو من اقترح معظم أسمائنا، فقد كان واضحا أنه لا يعرف معظمنا رغم أنه كانت بيننا نجوم لامعة في سماء الثقافة السعودية وعلى الرغم من كوني أحد أقل هذه الأسماء ليلتها نجومية وفعالية وأثرا إلا أنني وجدت نفسي أتصنع النسيان وأشتكي خيانة الذاكرة يوم طلب منا صاحب المنزل والدعوة والعشاء قراءة قصائد، كان طلبه جلفا وشديد الوقاحة أخذ الصيغة التالية: (نريد أن تسمعوا شاعرنا الكبير قصائدكم ليقول لنا إن كنتم شعراء حقيقة أم تكذبون علينا) وضحك بعدها وهو يلتفت إلى صاحب القميص الذي أبدى تواضعا زائفا: (لا لا فيهم البركة)! واستمرت الفجاجة، فقد كنا ملزمين بالتصفيق لرائعة (ابن عمي ومثل أخويا ودم وريدي من وريدك بس زواج لا يا عمي لاني نعجا تشتريها ولاني عبدا من عبيدك ما أريدك)!