تحتفل هذا العام مجموعة إيرباص الأوروبية للطيران بمرور أربعين سنة على تأسيسها. وتاريخها غني بالطرائف فقد تجرأت فنافست عمالقة النقل الجوي التجاري في مطلع السبعينيات. وكمقارنة تخيل من يجرؤ اليوم على منافسة «كوكا كولا» و«بيبسي» في عالم المشروبات.. أو «سوني» و«باناسونيك» في عالم الإلكترونيات.. أو حتى «الحلواني» و«أبو نار» في عالم الحلوى المكية.. دخلت الإيرباص ساحة بوينج، وماكدونل دوجلاس، ولوكهيد، ونافست تلك الشركات العريقة في ديارهم. وتميزت بالتألق التقني لأنها تفوقت في المجال، فأصبحت المنافس الأول لبوينج بعدما اختفت الشركات العملاقة الأخرى من مجال صناعة الطيران المدني.. وتميزت أيضا بالإدارة المتميزة.. تخيل تصميما، وبرمجة، وتصنيعا، وتركيب ملايين القطع الدقيقة الصنع لتطير في منظومة محكمة بين دول مختلفة اختلافات جذرية وتحديدا فيتم تصنيع مكوناتها الرئيسة في أربع دول وهي: فرنسا، وألمانيا، وإنجلترا، واسبانيا. دول تتحدث لغات مختلفة، وتتميز بثقافات مختلفة، علما بأن بين بعضها تاريخا دمويا استمر لمئات السنين. بين حروب، وغزوات، وإهانات. ورغم كل هذا، انتجت أجزاء ضخمة تقاس دقة مقياسها بعرض آخر حرف في هذه الجملة. وطبعا لم تفلح المجموعة في كل ما هدفت إليه، فاسمها مثلا يحتوي على بعض من «اللقافة». من يود أن يسمي التقنية المتقدمة إيرباص.. «باص الأجواء» أو «باص الهواء».. تخيل «أنيسة السماء» مثلا أو «النقل الجماعي الطائر» ؟.. وهناك تحديات أخرى وأهمها الجدوى الاقتصادية، فلكي تنتج هذه المنتجات المعقدة، دعمتها الحكومات الألمانية والفرنسية والاسبانية والبريطانية بدرجات مختلفة.. فبدأت بطائراتها الأولى من طراز «أ300» ثم «أ310» ولم يحققا نجاحا اقتصاديا باهرا، ولم يحققا الأرباح للمجموعة، ولكن طائرة الإيرباص 320 كانت قصة مختلفة فقد نجحت من بداية مشوارها. وهي «عائلة"» تضم طرازات مختلفة بنفس قطر الهيكل وخصائص الطيران، ولكن بأطوال مختلفة وأجنحة معدلة من هنا وهناك، ومحركات بقوى مختلفة. وتحديدا فهي (من الأصغر إلى الأكبر حجما) الطرازات 318 و319 و320 و321 .. نجحت هذه الطائرات نجاحا باهرا وقد سلمت المجموعة حوالى 4425 طائرة إلى حين كتابة هذا السطور، مما يجعلها إحدى أفضل الطائرات مبيعا في العالم. وأثبتت جدارتها في تلبية الطلب على طائرات ذات اقتصاديات متفوقة للمديين القصير والمتوسط. ولحمل من 107 إلى 185 راكبا.. وكان تصميم الطائرة مميزا في عاملين فريدين سبقوا فيهما جميع التصاميم المنافسة حول العالم؛ أولا: هيكل هذه الطائرة أعرض قليلا من منافستها الأساسية البوينج 737.. وتحديدا فهناك فارق يساوي حوالى عشرين سينتمترا أي ما يعادل حوالى نصف عرض الصفحة التي تقرؤها بين يديك الآن. وللعلم فهي مصممة لحمل ستة كراسي في كل صف وبالتالي فهذه السينتمرات تترجم لمساحة إضافية للركاب.. وأما الميزة الثانية في تصميم الطائرة فكانت في مجال التحكم، وتحديدا فكانت أول طائرة تقتبس أنظمة التحكم الإلكتروني الرقمي من تقنيات الطائرات الحربية.. وملخص الموضوع: إنها تحتوى على أنظمة حماية لعدم الخروج عن إطار السرعات، أو المناورات الآمنة للطائرة. وكانت ولا زالت تختلف عن التقنيات الأمريكية في شدة اعتراضها على مدخلات الطيارين لو تجاوزوا الحدود.. وهنا قد يجوز تشبيهها «بالحماة المتمكنة» التي تتدخل بهدوء، ولا تسمح لزوج ابنتها بالخروج عن سلوكيات تتعدى «الخطوط الحمراء».. ونسأل الله السلامة.. استلمت الخطوط السعودية أولى هذه الطائرات في مطلع الشهر من المصنع في ألمانيا وهذه طرفة في حد ذاتها، فخط تجميع طائرة ال 320 في مدينة «تولوز» الفرنسية. وعندما تم اقتراح أن يتم تصنيع أختها الكبيرة من 321 في «هامبورج» بألمانيا بنهاية الثمانينات الميلادية، قامت معارك ضارية بين رئيسي البلديات في المدينتين، وبعض مسؤولي إيرباص لأنهم أرادوا أن تبقى الإيرباص في فرنسا. طبعا فكر في الدخل والعمالة الناتجة عن وجود هذه الأنشطة الاقتصادية الضخمة. وفكر أيضا في غيرة رؤساء البلديات الذين حاربوا، ويحاربون للحصول على خطوط الإنتاج. أمنيتان لم تعط خطوطنا الاهتمام الكافي واللائق لهذه الطائرة الجديدة، فقد ظهرت كخبر صحافي عادي جدا أصغر من الإعلان عن الجيل الرابع من أحدث «شماغ» جديد. أتمنى أن تنشط الخطوط لرفع رؤوس المخلصين من رجالها الذين يحققون الإنجازات المتميزة لهذا الصرح الحيوي للوطن، وأتمنى أن تنجح السعودية في تشغيل أسطولها الجديد لتخفيف العناء عن المسافرين. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة