كان الأول من مايو لعام 2009م هو آخر يوم يحتكر فيه الرجل الإنجليزي المنصب الفخري الآيل في إبداعه وحضوره إلى شاعرية البلاط الملكي في بريطانيا؛ ففي هذا التاريخ نفسه أذاعت محطة ال(بي بي سي) معلنة أنه لأول مرة تفوز امرأة بلقب شاعرة البلاط الملكي، وفي تقاليد العرف الملكي شعريا، فقد حظي الإسناد الأدبي ولمرحلة طويلة جدا بمقاييس تاريخ الشعر إلى الرجل، وفي التقاليد البريطانية، على عكس تأنيث كلمة Poet Laureate المنتهية بإشارة التأنيث (فرنسيا) من ناحية الإحالة، فقد بقي هذا المنصب الفخري وقفا على الرجل لما يقارب ثلاثة قرون إلا بضع سنوات. في بريطانيا، يوجد شاعر للبلاط الملكي، ولا توجد شاعرة مطلقا على مدى ثلاثة قرون من الزمان تقريبا، ومن بين اختصاصاته الأهم إسناد فعل التأليف الشعري والكتابة حوله عن أدبيات العائلة المالكة فرحا وحزنا من الداخل، وقد درجت العائلة الملكية منذ زمان بعيد على منح الثقة لهذا المنصب الفخري لشاعر واحد من أهم مواصفاته الآيلة إليه أن يكون ذكرا إنجليزيا مبدعا يحظى بثقة ملكية، غير أن الشاعرة الإنجليزية كارول آن دافي القادمة باندفاع من الوسط البريطاني تمكنت ولأول مرة من تاريخ النضال الأنثوي في الوصول إلى سدة المنصب الفخري، وهكذا فقد فازت بعد بضع عشرة سنة من النضال المرير في الحصول على أول ثقة ملكية تؤهلها لخطف اللقب من الرجل.. غير أن المكافأة الفخرية الأكثر جزالة بهذا الصدد أن الشاعرة كارول آن دفي سوف تحظى بالمآثر نفسها التي حصل عليها الشاعر الرومانسي وليام ووردز ووورث، والفرد تينيسي وتيد هجز، وقد أصبحت الشاعرة المحضية بالكتابة عن المناسبات الملكية البريطانية، إذ لم تكن هناك امرأة من قبل في التاريخ البريطاني استأثرت بلقب شاعرة البلاط الملكي. وكانت الشاعرة جديرة بالترشح لهذه المهمة الملكية قبل نحو عشر سنوات من حيازتها اللقب الملكي، لولا أن اعترت سيرتها الذاتية عبارات تناولتها بمواقف مثلية مع شاعرة أسكتلندية أخرى، وترجع قصص التنافس على اللقب من جوانب شاعرات أخريات إلى عام 1850، حيث كانت الشاعرة إليزابيث باريت براوننج محل ترشيح لخلافة رائد الرومانسية ووردز وورث عقب وفاته، ولكن التكريم الأدبي ملكيا شمل الشاعر الفرد تينيسون الذي سحب البساط من تحت الشاعرة براوننج، غير أن الشاعرة الأكاديمية كارول دافي تأمل بعدم نسيان كل هذه التواريخ الآيلة إلى السجال المحموم استباقا إلى البلاط الملكي، لأن حصولها على اللقب معناه إسناد أول فعل شعري رسميا إلى المرأة، ناهيك عن كسر حاجز تاريخي دام لأكثر من ثلاثة قرون ونصف متتالية!! وتعمل الشاعرة كارول -ذات البضعة والخمسين ربيعا- أستاذة كرسي لمادة الشعر في إحدى الجامعات البريطانية، وهي حاصلة على درجة الدكتوراة، واعتادت على قرض الشعر منذ أن كان عمرها ستة عشر عاما.. وفي أول دواوينها الموسوم ب(زوجة العالم).. عمدت الشاعرة إلى استخدام المرأة كقناع تتولى من خلاله بث رسائلها الأدبية إلى العالم، حيث أسقطت في كل قصيدة صوتا أنثويا يرتبط من نواحٍ زوجية بإحدى زعامات العالم، وبذلك استطاعت على نحو أدبي من إبراز وجهة نظرها حيال فئات متعددة من الرجال ربما تكون الشاعرة قد رأت من خلال بعضهم التسلط والذرائعية، وربما تكون قد راهنت من خلال طقسها الشعري في البعض الآخر على الغرور مقرونا بتجهم وصلف!! ومن أشهر ضحاياها عبر ديوان زوجة العالم داروين، صاحب نظرية النشوء والارتقاء الجنسي، فقد ورد اسمه على لسان امرأته بواقع تبني الشاعرة كارول لصوت امرأته، إذ تصفه بأنه كان مجرد شانمبنزي!! وهناك غيره الكثير من الرجال ممن أتاح لها الشعر التعبير عن رأيها حيالهم بمنتهى المكر الفني ربما لشل قدراتهم أو التشكيك فيها على نحو فني لاذع!! Carol_Ann_Duffy