اللغة أساس حضارة الشعوب، ومقياس تقدمها وسيادة ثقافتها بين مختلف دول العالم. وقد سادت الحضارة الإسلامية العالم حينما كانت اللغة العربية لغة العلوم والثقافة، خاصة في حاضرة الأندلس التي كانت منارة يقصدها الطلاب والعلماء من مختلف أصقاع أوروبا، لتعلم اللغة العربية، وتأسيسا لتعلم بقية فروع المعرفة؛ ثم اعتراها الضعف الذي امتد ليشمل سائر جوانب الحضارة الإسلامية. وتذكر موسوعة (ويكيبديا) أن اللغة العربية يتحدثها 422 مليون شخص، وذلك حسب إحصاءات عام 2006م، وبذا فهي تعد من أكثر اللغات انتشارا. لكن ذلك لم يشفع لها بأن تحظى بأهمية قصوى لدى أهلها، وهو ما أكده الدكتور تمام حسان، أحد الفائزين بجائزة الملك فيصل للدراسات العربية، حين أشار «لانصراف الناس عنها إلى لغات أجنبية، بل إن المتكلمين بها من كبار المثقفين يعطون انطباعا عن تفوقهم الثقافي، ليس بغوصهم لاكتشاف قدراتها، وإنما باستخدام مفردات أجنبية بديلة». وكذلك هو الحال فيما نشهده من قصور الاهتمام باللغة العربية، تحدثا وكتابة، نتيجة لما ينشأ عليه الطفل من ثقافة، وما يتلقاه من كلمات وجمل يقوم بترديدها، وقد لا يفهم معانيها، وهو بذلك يقلد من حوله؛ ناهيك عن التأثير السلبي للمربيات والخدم، وإسهامهم في تحويل لهجتنا إلى هجين من لغتنا الأم ولغتهم، بل إن بعضهم فرض علينا التعامل بلغته الضعيفة، مقابل لغتنا القوية! ويسهم الإعلام في تشكيل الحصيلة اللغوية لدى المتلقين، بما تبثه الفضائيات من مواد إعلامية باللهجة العامية، تتحول إلى لهجات يتداولها الناس في منازلهم وأعمالهم، تتسبب بمزيد من الضعف والإهمال للغة العربية الفصحى. ولعل من أحدث وسائل إضعاف اللغة العربية جهاز (البلاك بيري) الذي صنع أساسا لخدمة المؤسسات والشركات ورجال الأعمال، لكن البعض قصر استخدامه على التواصل مع الآخرين بلغة خاصة تتكون من أحرف ورموز عربية وإنجليزية لا يفهمها إلا من يتعامل بها؛ مما أسهم في ترسيخ العامية، ولم يحقق التعلم الصحيح للغة الإنجليزية. وتقع على الأسرة ومؤسسات التعليم العام والعالي مسؤولية غرس وتنمية حب اللغة العربية، والتدريب على التعامل بها تحدثا وقراءة وكتابة، خلال الحصص والمحاضرات والأنشطة اللاصفية، باستثناء الدروس والمقررات التي تتطلب استخدام اللغات الأجنبية للتدريس والمحادثة. وفي خضم هذا الكم الهائل من اللغات واللهجات، فقد يكون من المستحيل التزام الجميع باللغة العربية الفصحى، لكن ليس من الصعب إعطاء لغتنا الجميلة قدرا مناسبا من الاهتمام والتركيز؛ انطلاقا من كونها لغة القرآن الكريم، التي انتشر بها الإسلام، وسطعت حضارته على معظم أنحاء الكون. * جامعة الملك سعود- كلية التربية [email protected] أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 272 مسافة ثم الرسالة.