يظهر أثر السينما في فارغس يوسا بالفعل مرتبطا بتقنية السرد أكثر من ارتباطه بذلك التسجيل الدوني KITSCH الذي يترع عالم شخصيات روايات مانويل بوتش، طبقا لما قمنا بتحليله منذ برهة. ومفتاح المكون السينمائي في أعمال كاتبنا يكمن بالضبط في تلك التقنية التي جعلت من التسلية في خيمة تنصب في الموالد التي ابتكرها الإخوان لوميسير فنا جديدا: المونتاج. ففي مقابل تصلب حركة الوحدات السردية في منظومة القرن الماضي الواقعية، يستخدم فارغس يوسا جميع عناصر خطابه السردي تأسيسا على قابليتها النحوية الشديدة للتحول. وهذا ما فعله من قبل وعلى نحو بارز وليام فوكنر الذي كان الروائي البيروفي طفق يقرأ أعماله المترجمة إلى الإسبانية في أوائل عقد الخمسينيات ثم بالإنجليزية على نحو منهجي ومتكرر بعد ذلك بعشر سنوات. غير أنه فيما يختص بما يقر به كاتبنا في هذا الصدد، فإن تأثير فوكنر على فارغاس يوسا يسير في اتجاه مضاد لذلك الذي اكتشفه هو في دراسته لجابرييل جارثيا ماركيز، وللعلاقة بين ماركيز وفوكنر: تأثير تقني أكثر من كونه تأثيرا يتعلق برسم العالم الروائي أو بالموضوع. وخلاصة القول: إذا كان هنالك ما يميز روايات فارغاس يوسا فذلك هو قابلية بنيتها للتحول القائمة على مونتاج فعل. ويتيح له هذا تطعيم العمل بتقطيعات فضائية وزمانية بفعالية كبرى، وتناوب طبقات ومنظورات وأصوات مختلفة مما يسفر عن أقصى استغلال لمصادر التوتر السردي يشد القارئ منذ السطر الأول وإلى ما لا نهاية. ومن بين مفاتيح نجاح مؤلفنا، العودة إلى السردية في أشد حالاتها نقاء، بيد أن هذا لا يعني خاصة في أعماله الأولى توخي السهولة في بناء الخطاب السردي وإنما يعني عرضا يقدمه للقارئ ويطالبه فيه بموقف الشريك. وإن تقنية فارغاس يوسا الروائية لمترعة بالوسائل الطريفة التي من شأنها أن تشجع استجابة القارئ لها. وتتألق في اكتمالها في «المدينة والكلاب»، رواية ذات مناخ مدرسي يوحي بإطار تعليمي ويتجاوزه نحو الجمعي، وهي تتبع كما أشرنا من قبل تجربة المؤلف الذاتية في مدرسة ليونثيو برادو العسكرية وظهرت بعض ملامحها من قبل في أكثر من قصة من قصص مجموعته «الرؤساء».