كلما تعلق الأمر بجهات ثلاث أو أكثر تم إلغاء الجوانب الإنسانية وحل محلها التنصل والأعذار الواهية والحجج البيروقراطية والتسابق نحو الهرب من المسؤولية إلى اللامسؤولية. الطفلة التي نشرت خبرها (عكاظ) في صفحتها الأخيرة أمس الثلاثاء تحت عنوان (3 جهات حكومية تتنصل من إيواء طفلة) تتلخص حالتها بادئ ذي بدء في أنها إنسان طفل قاصر غير بالغ ولا عاقل مصاب بضمور في المخ وشلل كامل ويحتاج أولا إلى رعاية صحية حتى الاستقرار (حالتها حسب الخبر ساءت عند نقلها إلى مستشفى النساء والولادة في مكةالمكرمة حيث تردت حالتها الصحية)، ثم يحتاج هذا الإنسان إلى رعاية تأهيلية تحافظ على قدرته على استنشاق الهواء (التنفس كإنسان)، ثم تناول الغذاء والمساعدة على الحركة المفقودة، والحفاظ على حياته التي من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، ثم بعد ذلك يأتي التعامل مع إثبات نسب هذا الإنسان ومعرفة أوراقه الثبوتية. الغريب غير المستغرب لدوام حدوثه أن الجهات الحكومية الثلاث جميعها تريد أن تبدأ من الأخير لتثبت أولا نسبها وأنها مواطنة، ثم تقديم الواجب الإنساني لها، وهذا وربي قمة الحمق والجهل والتنصل، الذي وطننا منه براء ومملكة الإنسانية منه بريئة، فهو سلوك فردي أقل ما يقال عنه إنه غباء ثلاثي من ثلاثة أفراد في الجهات الثلاث يجهلون حقيقة مملكة الإنسانية وإن كانوا يرددونها دون فهم. أولا: إنسانية الطفلة مثبتة وهذا يكفل لها حق الرعاية خصوصا أنها طفلة صغيرة لا تستطيع التعريف بنفسها، ومشلولة وفي حاجة لإنقاذها كإنسان بصرف النظر عن انتمائها ومواطنتها من عدمه، وهنا وفي هذه الحالة الخاصة بالذات يجب التعامل معها على أساس افتراض أهليتها للعلاج والرعاية وليس العكس، فيفترض التعامل معها على أساس أنها مواطنة إلى أن يثبت العكس، لأنها قاصر لا حيلة لها ولا احتمال تحايل منها هي كإنسان، وبالتالي فإن الأوراق الثبوتية وإثبات المواطنة، هي آخر متطلبات التدخل وتأتي بعد الاستقرار التام للحالة والبحث عن أهلها ومن أهملها وجنى عليها سواء كان مواطنا أو مقيما. ثانيا: لو اعتمدنا على الفكر العقيم غير العميق والمفتقد لأبسط أبجديات الذكاء نحو المسؤولية والمنطق في التعامل، والذي يركز على الهوية والثبوتية أولا، فإن أي تائه هائم فاقد للوعي في الصحراء لا ننقذه ولا نقدم له قطرة الماء ولا ننقله إلى المستشفى حتى يفيق من نفسه ويزودنا بصورة من بطاقة الأحوال مع الأصل للمطابقة، وتعريف من مقر عمله، وإقرار بأنه لن يموت حتى يستكمل أوراقه الثبوتية، ونقبل بإنقاذه بعد التأكد من مواطنته وبعد أن نقتنع بأهليته للحصول على الإسعافات الأولية، أي أننا وبمنطق الأذكياء الثلاثة نحرص على استعادة الأوراق الثبوتية قبل استعادة الوعي. الحمد لله فالعقل نعمة. www.alehaidib.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 262 مسافة ثم الرسالة