ظلت النخب السياسية والاقتصادية ومجتمع رجال الأعمال في شرقي آسيا على أهبة الاستعداد للانتحار متى ما جرها قدرها المحتوم للتورط في أي هفوة أخلاقية أو مالية أو نمط من أنماط استغلال السلطة، ومرد ذلك يعود للمنظومة الأخلاقية والقيمية التي شكلت الرافد الحصين لقيم العمل وكرست التلازم التام بين قيم العمل وقيم المواطنة ككل. هذه القيم شكلت العمق الحقيقي للمشروع الحضاري الذي قامت عليه نهضة هذه الأمم، فيما المشهد لدينا يختلف بالكامل رغم كل هذا الكم الهائل من القيم المجردة التي تملأ بطون الكتب وتصدر من المنابر والفضائيات والمجالس العامة. وفيما نرجع ضعف الأداء وتردي الإنتاجية إلى البيوقراطية وهي المصطلح المظلوم الذي نلقي إليه بكل أوجاعنا، فيما الفساد الإداري والمالي واستغلال السلطة يرجع إلى ضعف الغطاء الأخلاقي وتراجع منظومة القيم بعد أن تبلورت ثقافة عامة لتفكيك عرى الارتباط بين العمل والأخلاق. الفصل الذي حدث خلال العقود الماضية بين ثقافة وقيم العمل العام وبين القيم الدينية الذي جاء زاخرا بها ديننا الإسلامي واندثار الخط الفاصل بين العام والخاص أوصلنا إلى هذه النتائج الكارثية فيما نزال ننظر في المطلق لإصلاح الكون. الخطاب الديني لم يسع لتحقيق التكامل بين القيم الدينية وسلوكيات العمل وأخلاقياته وما يندرج تحته من فساد مالي وإداري واستغلال لكل أنماط وأشكال السلطة. إذا كانت هذه الشعوب والمجتمعات قد نجحت في تأصيل ثقافة العمل بالمنظومة الأخلاقية والقيمية للمجتمع، فما الذي جعلنا نتراجع في هذا الجانب إلى هذه الصورة لدرجة أن البعض يعتقد ومن خلال سلوكياته أن الالتزام بأخلاقيات العمل وقيم المواطنة شيء والشعائر والواجبات الدينية شيء آخر تماما.