عندما كان لا يوجد أمام الناس أي وسيلة لسماع الأغاني بالنسبة لمن يرى في ذلك تسلية، سوى بانتظار إذاعة أغنية في المذياع أو القناة الوحيدة في التلفاز، كان محبو الطرب يتلهفون عند حضورهم لمناسبات الزفاف على سماع «مطرب الحفل» حتى لو كان من الدرجة العاشرة أو أنه مجهول الهوية من الناحية الفنية أو النظامية، ولذلك كان أصحاب المناسبة يحرصون على التفاهم مع مطرب من المطربين لإحياء حفلهم حتى لا يظن الحضور أنهم بخلاء وأن مناسبتهم باردة مثل الثلج حيث لا طرب فيها ولا حرارة! وكان جلب مطرب يكلف صاحب المناسبة الشيء الكثير من الجهد والمال، بل إن بعض المطربين يحيي في الليلة الواحدة أكثر من حفل في أكثر من موقع فيكون في أول الليل في حفل زفاف سردان وفي أوسطه عند قردان وفي آخره عند بردان! «ويلفح» منهم جميعا الآلاف وهو يتمطى في القماش .. كأنه فاتح تاريخي عظيم! ولكن مع هذا الكم الهائل من الفضائيات التي يزداد عددها يوما بعد يوم حتى أصبح لكل دولة عدة قنوات فضائية فإن الواحد منا لو أراد البحث عن مادة علمية مفيدة أو نشرة أخبار مفصلة أو برنامج تسلية جاد، فإن ما يزيد عن مائة مطرب ومطربة يمرون عليه وهو يقلب القنوات بعضها وراء بعض قبل أن يحصل أو لا يحصل على ما يريد، وهذا الوضع أدى إلى تخمة نفسية وشبع من سماع الأغاني التي قل أن يوجد منها أغنية واحدة تحمل معاني نبيلة أو مفاهيم جليلة بل كلها أو معظمها تكون غير صالحة للبث التلفازي العام، ومع ذلك فإن بعض أصحاب الحفلات يعيشون في الماضي على ما يبدو فتجد الواحد منهم حريصا على المجيء بمطربين وفرقة موسيقية لإحياء حفلهم «وبالشيء الفلاني» فإذا بدأ الغناء صد معظم الحضور عنه وتلهوا بتبادل أطراف الأحاديث أو لعب «البلوت» فيأتي صاحب المناسبة إليهم راجيا منهم مجاملة المطرب والفرقة الموسيقية وهو يكاد يبكي على فلوسه التي أضاعها في التعاقد مع الفرقة لإحياء حفله، وقد يجد من يجامله ويظهر التجاوب معه ويعطي نصف أذن وربع قلب للفرقة مجاملة لصاحب الحفل وقد يجد بعضهم الآخر أكثر صراحة حيث ينطلق لا يلوي على شيء مرددا بصوت عال أو بينه وبين نفسه: يا شيخ حِلْ عني بلا طرب بلا جرب!!.