كل مشروع إبداعي في أي بلد عربي أو مسلم أو في أي مكان في العالم يخدم الناس ويدخل على قلوبهم البهجة والسرور يستحق أن يكتب عنه ويشاد به، خاصة إذا كان هذا المشروع أنموذجا لما يجب أن يتبع في كافة المدن. هذا ينطبق على حديقة الأزهر بالقاهرة. حديقة الأزهر تشكل لوحة فنية جديدة أضفت على قلب القاهرة التاريخي جنة يانعة وخضرة بهيجة، وقد تميزت بعدة أمور تنفرد بها عن غيرها من الحدائق العامة. تقع الحديقة على تلة مرتفعة مما يعطيها إطلالة جيدة على كل النواحي المحيطة بها. أول ما يشد انتباهك عند ارتقاء التلة المناظر التاريخية الباهرة المحيطة بالحديقة. في الجهة الشمالية يقع المسجد الأزهر الشريف حاكيا تاريخا مجيدا لأول جامعة إسلامية. في الناحية الجنوبية تقع القلعة (قلعة صلاح الدين الأيوبي) بطرازها الأخاذ. في الناحية الجنوبية يقع مسجد السلطان حسن بمآذنه المتعددة. في المنخفض المحيط بالحديقة يلتف السور الأيوبي العتيق الذي يعود تاريخه للقرن الثاني عشر الميلادي. تختلط روائح النباتات اليانعة برائحة التاريخ العتيقة. التاريخ كان هنا وبقي هنا. تكاد تسمع صهيل الخيول وقعقعة السلاح في فترة كانت فيها راية الإسلام عالية مجيدة. كان يمكن أن يحرم المواطنون والسياح من هذه الإطلالة التاريخية الرائعة لو انحصر الاهتمام في استغلال الموقع في التطوير العقاري لبناء العمارات والمجمعات السكنية. هذا العمل مثال للتلاحم الإسلامي وقد اشترك في تصميمه نخبة من المهندسين المصريين والعالميين. المدهش أن جزءا كبيرا من الحديقة كان مرمى للنفايات تمت إعادة تأهيله ليتحول إلى عكس ما كان عليه. مساحة الحديقة 30 هكتار (300.000متر مربع). الممرات الرخامية والحجرية الفسيحة تشجع على المشي لمسافات لا بأس بها تحت النسيم العليل. المسرح الروماني يستخدم في المواسم للحفلات الموسيقية والأنشطة الفنية الأخرى. البحيرة والمجاري المائية المزودة بمياه النيل تزيد المكان رقة ونعومة وتربطه حسيا بالنهر الذي يزود القاهرة بالحياة. المباني الخدمية مثل المطاعم والمقاصف وضعت في الأماكن المناسبة بحيث لا تحجب الرؤية بل تضفي إليها سهولة ومتعة . النباتات والزهور المتنوعة تحتوي على أنواع كثيرة كتب على كل منها اسمه العلمي. النجيلة الخضراء تغطي مساحات واسعة وتسمح للزوار بالجلوس والاسترخاء. ملاعب الأطفال تضمن تسلية هذه الفئة النشطة من الزوار. الخرائط الإرشادية والحراسة الأمنية تغطيان المكان بصورة كافية. وبصفة عامة الحديقة مثال جيد لحسن اختيار الموقع وحسن التنفيذ والصيانة. رجعت من القاهرة إلى جدة وأنا أتساءل: ألا تستحق مدينة جدة حديقة واحدة على الأقل بمساحة وتنظيم حديقة الأزهر؟. بالتأكيد لن تعجز أمانة جدة بميزانيتها التي تصل إلى عدة مليارات عن توفير المبلغ اللازم لإنشاء مثل حديقة الأزهر. وبالتأكيد لن تعجز عن توفير المساحة اللازمة لذلك. ومع أننا لن نحتاج إلى منحة من مؤسسة أغا خان لإنشاء مثل هذا المشروع إلا أننا بالتأكيد نحتاج إلى الإبداع الذي تضفيه مثل هذه المؤسسات العالمية خاصة في حسن اختيار الموقع والإحساس به وفي حسن الإخراج و احترام البيئة. انظروا، على عكس ذلك، إلى المشاريع التي أعلنت أمانة جدة عن نيتها في إنشائها على بعض أفضل المواقع على الشاطئ وكلها عبارة عن مبان معقدة لا تتناسب بتاتا مع طبيعة الشاطئ بل تحجب منظر البحر وتردم ساحله وتحيل الشاطئ إلى كتل إسمنتية ومسطحات سمجة لا طعم لها ولا رونق. هذا ينطبق بصفة خاصة على المشروع المقترح لإنشاء مركز المناسبات الرسمية بالقرب من نهاية خليج أبحر الجنوبية الذي يتمتع بتصميم كارثي معقد والذي يوحي اسمه بأنه سيبقى مغلقا معظم السنة عدا وقت المناسبات الرسمية والأعياد وهو تخطيط سقيم لهذا الموقع يحرم المواطنين من منطقة متميزة على الخليج . طبعا ستقول أمانة جدة انتظروا حتى تروا الحديقة الشرقية. وطبيعي سننتظر ونحلم بحديقة نباتها كالجنان وبها بحيرة مائها كالمسك. حديقة الأزهر تثبت أنه يمكن إحالة مرمى نفايات إلى جنة يانعة وتوضح ثمار التعاون بين البلاد الإسلامية كما أنها تبين كيف ينتعش التاريخ ويصحو كلما أكثرنا النظر إليه خاصة من زوايا متميزة. وأخيرا فإنها ترسخ أهمية الإبداع والتعاون العالمي في تنفيذ المشاريع البلدية. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 133 مسافة ثم الرسالة