باشرت وزارات التجارة والصناعة، الشؤون البلدية والقروية، والشؤون الإسلامية أمس مراقبة أسواق تداول زكاة الفطر تصديا للغش والتدليس وما ينطوي على المخالفات الشرعية والصحية، فضلا عن المخالفات التجارية. ويأتي هذا الإجراء في ضوء الانحراف بسلع زكاة الفطر في السنوات الأخيرة بما يخالف الهدف الشرعي بالدرجة الأولى، وهذا ما استدعى تدخل وزارة الشؤون الإسلامية هذا العام. وتتولى الوزارات الثلاث، عبر فرق ميدانية، التأكد من جودة السلع المعروضة للبيع على راغبي إخراج زكاة الفطر التي يبدأ توزيعها اليوم وحتى الساعة التي تسبق صلاة العيد، والتثبت من أنها متوافقة مع الاشتراطات الشرعية، فضلا عن العمل على منع التداول عبر قنوات غير مرخصة. تكشفت حقائق الأمور لرجل دأب على إعطاء زكاة الفطر لنساء ورجال يصدفهم في الشارع درجوا على التواجد بالقرب من باعة الرز، حينما علم بأن أكياس الأرز التي قدمها وغيره، دخلت ضمن سوق سوداء لبيع مواد للزكاة. عندها أدرك بأن من أدى إليه الزكاة لم يكن إلا متسولا ضمن شبكة كبيرة لإيهام الناس والتلاعب بمشاعرهم واستحلاب جيوبهم، متذرعين بأنهم مستحقون. في الوجه الآخر يرى سكان أحد الأحياء الشعبية في مدينة جدة كل ليلة عيد فطر أكياس الأرز وقد وضعها الناس على أبوابهم، وبعد تقصي أسباب ذلك وجدوا أن من فعل ذلك أشخاص قدموا من أحياء راقية وضعوا زكاتهم ظنا منهم بأن البيوت التي وضعوا الرز أمامها تعود لفقراء. الظاهرتان ليستا بدعا، ففي كل عام ينظم مجموعة من المتسولات والمتسولين سوقا سوداء لبيع زكاة الفطر التي يجمعونها من الصائمين، إذ يبيعون الأرز ذا النوعية الجيدة للشخص الواحد بأسعار زهيدة، في حين أن نفس العينة تباع في المحال التجارية ومراكز التموين ومستودعات بيع المواد الغذائية بضعف تلك الأسعار. لفقراء الحي حذر مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ من السوق السوداء التي ينظمها المتسولات والمتسولين في الإشارات والطرق لبيع زكاة الفطر، مؤكدا «هؤلاء يبيعونها بأبخس الأثمان». وقال آل الشيخ ل «عكاظ»: إن كثيرا من المتسولين يستأجرون الأطفال من ذويهم لممارسة نشاط التسول، وربما يجلبون أطفالا بطرق غير مشروعة ويصطنعوا فيهم العاهات بتقطيع أطرافهم أو الادعاء بالمرض لاستعطاف الناس، محذرا في الوقت نفسه من التعامل مع مصطنعي العاهات. ودعا مفتي عام المملكة عموم المسلمين إلى صرف زكاة الفطر لمن يستحقونها بعد الاجتهاد في البحث عنهم؛ لينتفعوا منها ويأكلوها وتغنيهم عن سؤال الناس. وشدد آل الشيخ على ضرورة تحري الفقراء والمساكين داخل الأحياء، مبينا أن «المطلوب أن يبحث كل مسلم فقراء حيه ويمنحهم زكاته لأنها تنفعهم لأشهر عديدة». أما عضو هيئة كبار العلماء الدكتور علي بن عباس حكمي، فأكد على ضرورة البحث والاجتهاد عن مستحقي زكاة الفطر، محذرا من التساهل فيها، معتبرا أن زكاة الفطر تتساوى في الأهمية والأداء مع زكاة المال. وأوضح حكمي أن زكاة الفطر حق للفقير، فمن وجد ما يزيد على قوت يومه وليلته وجب عليه إخراجها، مؤكدا أن ذمة المزكي لا تبرأ إلا إذا صرفها إلى مستحقها، مبينا «لا يجوز للإنسان أن يصرفها دون مبالاة فإذا اجتهد وصرفها فقد أبرأ ذمته». وأشار عضو هيئة كبار العلماء، إلى أنه إذا غلب على ظن المزكي حاجة المتسول فعلا فيعطيه من الزكاة، «أما إذا كانوا من الذين يتكسبون منها ويبيعونها وليسوا محتاجين فلا يجوز أن يعطوا من الزكاة». من جانبه، أكد عضو هيئة كبار العلماء الدكتور يعقوب الباحسين، أنه لا يجوز للإنسان صرف الزكاة لمن لا يستحقها، مشددا على ضرورة صرفها للفقراء والمساكين أو الذين يستطيعون الوصول إليهم، مشيرا إلى أن إهمالها ورميها أمام أبواب البيوت الشعبية لا تحصل به براءة الذمة». الفقراء والمساكين شدد عضو مجمع البحوث في الأزهر الدكتور محمد بن أحمد الصالح على وجوب إعطاء زكاة الفطر للفقراء والمساكين، مشيرا إلى أن ذمة المزكي لا تبرأ إلا حين تسليمها المستحقين أو وكيلهم، «إذا وضع كيس الأرز عند باب بيت الفقير فلا تبرأ ذمته ما لم يتأكد من استلامه له، كما يتعين على المسلم أن لا يعطيها للمتسولين وغيرهم». وأبان الصالح، «تجب زكاة الفطر على الأنثى والذكر والمريض والصحيح والمسافر والمقيم ولا تسقط بأي حال، كما أنها تجب على شخص لديه كفايته وزوجته وأولاده من الطعام ليلة العيد ويومه». وأضاف عضو مجمع البحوث في الأزهر ، «تجب الزكاة على أولاد المزكي وزوجته والخدم الذين يعملون لديه، وإذا كان تبرع بإفطار أشخاص في الشهر كله أو جزء منه فعليه أن يخرج عنه الزكاة». مبينا، «لا مانع أن تخرج قبل العيد بيوم أو يومين للتوسيع على الناس وتخرج الزكاة من أفضل الأطعمة الموجودة ويعتني بها». خطأ وجهل واعتبر أستاذ الفقه في جامعة أم القرى الدكتور محمد العصيمي ما يحصل من وضع أشخاص الزكاة على أبواب بيوت يظنون أنها للفقراء «خطأ وجهلا لأحكام الشريعة الإسلامية» مبينا، «ليس معنى وجود البيت الشعبي أن يكون صاحبه فقيرا؛ فإما أن يكون بسبب أعراف المجتمع، أو أن صاحبه لا يتحرج من ذلك، أو لبخل صاحبه»، مشيرا إلى أنه لا تلازم بين الفقر ونوع البيت. وأضاف العصيمي، «إذا ملك الزكاة من يستحقها فإن له أن يبيعها ولا يجوز لأحد أن يحجر عليه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض). وبين العصيمي أن الله تعالى أمر أن تكون الزكاة للأصناف الثمانية في قوله تعالى: «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم». وأشار العصيمي إلى أن بعض العلماء جعل هذه الآية عامة في زكاة الأموال والفطر، ومنهم من خصص زكاة الفطر للفقراء والمساكين فقط لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أغنوهم في هذا اليوم»، مضيفا، «مع أن هذا الحديث فيه ضعف إلا أنه جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضها طعمة للمساكين وطهرة للصائم». وأوضح أستاذ الفقه أن الفقير من لا يجد شيئا أو أقل من نصف حاجته، أما المسكين فهو من يجد نصف حاجته وأكثر أو لا يجدها كلها، مضيفا، «فعلى سبيل المثال من كان له دخل بألفي ريال وحاجاته الضرورية تقدر بأربعة آلاف ريال فإنه يعطى ألفي ريال لكل شهر لمدة عام ويعطى ما يكفيه لمدة سنة». براءة الذمة ويؤكد الباحث الشرعي وعضو هيئة التدريس في جامعة القصيم الدكتور عبد الله بن عمر السحيباني على ضرورة الحرص في إخراج زكاة الفطر على براءة ذمته؛ لأنها فريضة وليست مجرد صدقة، داعيا عموم المسلمين إلى البحث عن المستحقين سواء بشكل شخصي أو عبر من يثق به من المؤسسات والجمعيات وأهل الخير وجماعة المسجد الذين يقومون كل عام مشكورين بهذا الغرض النبيل. وأضاف: لن يعدم الباحث عن المحتاج طريقا سليما يضع فيه هذه الفريضة، أما عدم الاكتراث بهذه الشعيرة وطلب التخلص منه بأسرع وقت على أي وجه كان، ورميها عند بعض الأبواب في بعض المنازل والأحياء القديمة فهذا لا يليق بالمسلمين، وربما لا تبرأ به ذمة الدافع لها؛ لأن الزكاة حينئذ لا تقع في موقعها الصحيح ولا تؤدي الغرض الذي شرعت من أجله، فمزيد من الحرص وشيء من الاهتمام بهذه الشعيرة يزيد في بركتها ويجعل المؤدي لها موفقا مقبولا بإذن الله تعالى. وأفاد عضو هيئة التدريس في جامعة القصيم، أن المحتاج للزكاة هو محدود الدخل أو من كان دخله لا يكفيه لقضاء حوائجه الأصلية في جميع العام، مشيرا إلى أن ذلك يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والمجتمعات. 25 ألف محتاج أبان مدير عام المستودع الخيري في جدة فيصل الحميد، أن استقبال زكاة الفطر هذا العام سيتم عبر توظيف التقنية، مؤكدا أن المستودع أوقف استقبال الزكاة مالا بواسطة الكوبونات التقليدية، وفعل استخدام بطاقات البنوك الممغنطة، إذ تم ربط نقاط الاستقبال المؤقتة إلكترونيا بالإدارة المالية للمستودع. وأضاف، «المستودع يمتلك قاعدة معلومات إلكترونية يزيد عدد المسجلين فيها على 25 ألف فرد ضمن ستة آلاف أسرة مكفولة وألفي أسرة مسجلة في قوائم الانتظار، مشيرا إلى أن لدى المستودع برنامجا حاسوبيا مصمما لتوزيع حصص الزكاة على هذه الأسر بطريقة عادلة تأخذ في الحسبان عدد الأفراد ومستوى المعيشة ومصادر الدخل». وأفاد مدير المستودع الخيري، أنه تم التسهيل على الراغبين في توكيل المستودع لإخراج زكاة الفطر، مشيرا إلى أن المستودع بدأ في استقبال التوكيلات من بداية رمضان في جميع فروعه التي بلغت 21 فرعا، كما تمت إضافة أكثر من 140 نقطة استقبال مساندة في العشر الأواخر تشمل 80 مجمعا تجاريا و30 مركزا مؤقتا، إضافة إلى تشغيل 10 سيارات متجولة لخدمة الموظفين في أعمالهم وعليها شعار المشروع لزيارة الشركات والمؤسسات والأحياء وفق نطاقات محددة.