عندما كنت أنتظر فتح إشارة المرور تقدمت إلي تلك الفتاة المبتورة الأطراف بوجه شاحب ارتسمت فيه معالم البؤس، تطلب ما يسد عوزها وفقرها، فما كان مني وبلا تردد أن أقدم لها «اللي فيه النصيب»، هذا هو موقفي وموقف الكثيرين رغم قناعتنا بمتاجرة الكثير من هؤلاء بإعاقاتهم بشكل أكثر حرفية، ويبقى السؤال الأهم ما الذي دفعني إلى فعل ذلك السلوك، هل هي مشاعري أم أفكاري تجاه تلك الفتاة؟. أوقفني ذلك الموقف ودوافع البشر عموما والتي تحدد سلوكهم تجاه الأشياء إلى مراجعتي لما تعلمت من نظريات رائدة في العلاج النفسي وتحديدا نظرية «ألبرت أليس» في العلاج العقلاني الانفعالي السلوكي، والتي أشارت إلى أن منشأ كل سلوك بشري هي مجموعة الأفكار المسيطرة على الفرد. فالنظرية تركز على أن كل ما تفكر به سلبا كان أم إيجابا سوف يصاحبه تحول في الحالة الجسدية وبالتالي سوف تتغير المشاعر ومن ثم ينشأ السلوك. فهذا الذي يفكر مثلا في حدث الصراع الأخير بينه وبين مديره في العمل ويستجمع كل الأفكار حول الأحداث السابقة والسالبة في تلك العلاقة، فإن تركيبة الجسد الهرمونية تختل بإفراز مزيد من هرمون «الأدرينالين» المحفز للجهاز العصبي وبالتالي يتكون سلوكه القلقي أو التجنبي أو أي سلوك سالب لأي أحداث مستقبلية مماثلة. والعكس صحيح .. فتلك الغارقة مثلا في أفكار إيجابية في علاقتها بزوجها ومشاعر الحب المتبادلة أخيرا فهي تستجمع معها صورة الماضي الجميل وذكرياته، لا تلبث إلا أن تتغير معها «ميكانزمات الجسد بإفراز مزيد من هرمون السعادة السيراتونين» والتي بالتأكيد تحفزها بمزيد من السلوك الإيجابي في المستقبل. إذا القاعدة النظرية التي ينطلق منها «أليس» تشير في مجملها إلى أن «أفكارك تصنع سلوكك». والحقيقة العلمية الحديثة ومن خلال الدراسات التطبيقية، أشارت إلى أن الإنسان الطبيعي يفكر يوميا بمعدل 60 ألف فكرة، 80 في المائة من تلك الأفكار سلبي ويعمل ضده، والسؤال هنا .. هل من المعقول مراقبة 60 ألف فكرة يوميا لننتقي منها ما هو سلبي وما هو إيجابي حتى يتشكل السلوك السوي؟. إنه من السهل علينا مراقبة المشاعر .. لأنه بالتأكيد المشاعر الإيجابية لا تتولد إلا من أفكار إيجابية والعكس صحيح .. من هنا أيقنت أن سلوكي تجاه طلب تلك الفتاة نابع من مشاعر الألم التي انتابتني في ذلك الوقت، وأن مشاعر السعادة عند تلك الزوجة هل التي شكلت وستشكل سلوكها تجاه زوجها في المستقبل، وأن القوتين المحركتين للسلوك الإنساني ككل هما «السعادة والألم»، وبالتالي فإن منظومة المشاعر هي المنظومة الأهم في نظرية «أليس». قل لي ما هي مشاعرك الآن .. أقول لك سوف يكون سلوكك. د. حاتم الغامدي استشاري نفسي