لم يدر في خلد أبو مجاهد، وهو المقاتل الذي فقد إحدى ساقيه نتيجة قتاله ضد القوات الأمريكية في العراق أن موعد انسحاب القوات الأمريكية من وطنه، وهو التاريخ الذي ظل يحلم به لسنوات وكاد يدفع حياته ثمنا له سيكون أمرا مقلقا ومحيرا له ولكثيرين من مواطني مدينة الفلوجة. وعندما سئل أبو مجاهد عن رأيه في انسحاب القوات الأمريكية من العراق، قال وهو يحاول أن يشيح بوجهه بعيدا وبصوت يكسوه الألم والحسرة والتردد: «هذا ليس من مصلحة العراق في الوقت الحاضر». أبو مجاهد، أو هكذا أراد أن يلقب، هو من أبناء مدينة الفلوجة التي تقع ضمن محافظة الأنبار غربي العراق وهي المدينة التي شهدت في مارس (آذار) وديسمبر (كانون الأول) عام 2004 معركتين ضاريتين ضد القوات الأمريكية راح ضحيتهما المئات من المسلحين والمدنيين. وأرغمت تلك المعارك التي استهدفت سحق بوادر تمرد مسلح يرفض الوجود الأمريكي آلاف الأسر على ترك المدينة خوفا على حياتهم. وقال أبو مجاهد من منزله في الفلوجة وهو يضع عكازه جانبا محاولا الجلوس على المقعد: «نعم قاتلنا الأمريكان حتى الموت وأنا فخور بذلك وكنا طوال كل هذه السنوات نحلم باليوم الذي يخرجون فيه من العراق». وأضاف، وهو يدس يديه متحسسا فروة رأسه حيث توجد بقايا شظايا: «أنظر إلى رأسي .. مد يدك .. هنا .. هذه شظيتان،انظر إلى رجلي (الساق السليمة) .. أنظر إلى هذه الشظايا، هذا ظهري، كله شظايا .. هل تريد أن أنزع دشداشتي (ثوبي) لترى جسدي .. كله مغطى بجروح وشظايا». ومع اقتراب الموعد الرسمي لإنهاء العمليات القتالية الأمريكية في العراق في 31 أغسطس (آب) وتقلص عدد الجنود الأمريكيين إلى 50 ألفا، بدت آراء العراقيين مضطربة إزاء توقيت الانسحاب وما قد يتبعه من صراعات على الأرض وهو ما أفرز هواجس وقلقا مما قد تؤول إليه الأحداث حتى بالنسبة لأولئك الذين حملوا السلاح وقاتلوا القوات الأمريكية وقدموا في لحظات كثيرة أرواحهم وحلموا لسنوات بجلاء هذه القوات عن أرضهم. وينظر كثير من العراقيين وخاصة السنة منهم بريبة وخوف من أي دور إيراني داخل العراق قد ينشأ ويتعاظم بعد الانسحاب الأمريكي لملء الفراغ الذي يخشى كثيرون أن يحدث بعد الانسحاب. وتدعم إيران الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة، ويتهم السنة وكذلك عدد من الشيعة إيران بالتدخل في الشأن العراقي وهو ما تنفيه طهران. ويتهم الجيش الأمريكي في العراق وأطراف سياسية عراقية إيران بتدريب وتمويل ميليشيات شيعية مسلحة لتنفيذ عمليات مسلحة في العراق، وهي اتهامات ترفضها إيران.