أكثر من عشرين عاما ظل مسلسل طاش ما طاش المصدر الأكثر جرأة في طرح قضايا المجتمع السعودي من خلال العديد من الحلقات التي رأت النور على مدار العشرين عاما تلك، فمن خلال قضايا الأسرة السعودية والشارع المحلي وتناول تلك القضايا بين القالب الكوميدي والطرح الجاد عاش المشاهد المتعة الحقيقية وهو يرى من ينقل صوته ويبث مشاكله وسط رجاء وتعليل بأن تتحرك مشاعر المسؤول عن همومه لتنته بحلول جذرية لتلك المشاكل. وبالرغم من تلك النجاحات المتتالية للنجمين القديرين عبدالله السدحان وناصر القصبي، إلا أن هذا العام ومن خلال النسخة السابعة عشرة للبرنامج لم تتوال تلك النجاحات ولم يجد المشاهد سوى (الغث) بكل أشكاله من خلال تناول العديد من القضايا الهامة بطرق عقيمة حتى وإن خالطها القالب الكوميدي والجاد في آن واحد ولم تكن حلقة (الأيتام) التي بثت أمس الأول الأبرز بين حلقات الغث تلك، بل سبقتها حلقة الأزواج الأربعة وحلقة الخال بطرس، وكذلك حريق الزواج الجماعي. وما قدمه النجمان في حلقة الأيتام من خلال النص الذي كتبه الكاتب ناصر العزاز تمنى المشاهد الذي ليس بمغلوب على أمره في ظل تعدد خيارات المشاهدة الرمضانية في أكثر من خمسين قناة فضائية لم يكن موفقا في إيصال هموم ومعاناة اليتيم الحقيقية وكان من الأجدر بالكاتب العزاز أن يتناول الحلقة في ظروف عصرية يعيشها الجميع بدلا من المشاهد التي صورها للمجتمع البدوي من خلال الاحتطاب وبيوت الطين والخيام ورعي الأغنام. وكم تمنينا أن نرى الزميل علي المدفع والدا لليتيمين في بيئة عصرية كالتي نعيشها اليوم ويبدأ الكاتب في توزيع مهام المشاهد على بقية النجوم لنرى حقيقة معاناة اليتيم ومدى تحمله لمتاعب الحياة بعد فقده لوالده وعلى سبيل الحصر تمنينا أن نرى يتيمين يموت والدهما ويعيشان في كنف زوج والدتهما، ذلك الرجل المتسلط والذي قد يسكنهما في غرفة قذرة خارج المنزل أو يقوم بإهانتهما واستخدامهما كعاملين لديه وقد يصل الأمر لتعذيبهما بدلا من التركيز على قسوة زوج والدتهما وأمرهما بالاحتطاب، وكذلك التركيز على نسيان والدتهما لهما وانشغالها بالزوج الجديد، وهذا ما لم نلمسه في حياتنا اليومية بل لمسنا ما هو أدهى وأمر من ذلك، وليت الكاتب استغل مساحة النص ووضع في المقابل من خلال استحداث أسرة مقابلة لتلك، نرى فيها نفس الصراعات ولكن وسط زوج رحيم يمسح على رأس اليتامى ويعتني بهم ليعيش المشاهد المقارنة الحقيقية الواقعية ليعرف معنى العناية باليتيم والعطف عليه، أما ما تم تناوله في الحلقة فلم يصور لنا حالات العنف والقسوة والتي قادت للقتل بعد التعذيب ليتامى لعل أحدهم كان في شوق خلال مشاهدة تلك الحلقة بأن يرى من ينقل مشاعره ومعاناته ليتعظ ثلة من الرجال ذوي القسوة. هكذا كانت حلقة الأيتام لتأت تواليا لحلقات مضت من خلال الأزواج الأربعة وخالي بطرس والزواج الجماعي وحتى نتحاشى الإسهاب في تفنيد تلك الحلقات سنسلك أقصر الطرق نقدا لنقول (كم تمنينا أن نشاهد تعدد الأزواج بطريقة غير تلك التي خالفت العرف بكل معانيه ومن المعروف أن الكاتب كان ينوي توصيل فكرة أن الزوجة يحترق قلبها لزواج زوجها بأخرى، ولكن كان من الأجدر أن نرى تلك الحلقة بشكل مميز لا يخرج عن مشروعية التعدد مع أهمية العدل والمساواة، وكم تمنينا أن نرى الكاتب يعالج مشاكل الزواج من الخارج لو بدأت الحلقة من لبنان ويعيش القصبي والسدحان خارج الوطن مشردين بلا هوية كما يفعل العديد من المواطنين من خلال الزيجات التي تتم خارج الوطن ويذهب ضحيتها الأبناء الأبرياء.. وكم تمنينا أن يعالج الكاتب مشكلة حريق زواج الجهراء الشهير بتصوير المشكلة ووضع الحلول المناسبة التي قد تمنع حدوث مثل تلك الكارثة مرة أخرى، بدلا من تبيين الغيرة والإقدام على الحريق والتوقف فجأة دون حلول، وكم تمنينا أن نرى مسلسل طاش خلال هذا العام أكثر نضجا من ذي قبل ولا زالت الأمنيات تتوالى بأن ما تبقى من حلقات قادمة قد ينسينا ما رأت أعيننا وقد نرتاح قليلا من مشاهدة شخصية عليان وسعيدان وسط بيوت الطين التي لم يبق لها أثرا، وشخصية فؤاد والخال أسعد التي أكل الدهر عليها وشرب يا قوم طاش.