يلبس شهر رمضان كثيرا من الناس ثوبا ملائكيا مؤقتا للأسف، وما أن ترحل الليالي الجميلة لهذا الشهر الفضيل، حتى تعود دائرة الأيام العادية والمعارك الحياتية والصراعات الاجتماعية كما كانت وربما أكثر سخونة. ويستغرب من يعيش هذه الليالي المعطرة بالحب والتسامح أن لا تدوم ويكون رمضان شهر أخلاقيات حقيقية مثلما أراد الله سبحانه، فالمدرك يفهم أن المعنى العميق للصوم ليس الجوع من أجل الجوع، بل التهذيب والترويض الحقيقي لشياطين العادات السيئة التي تحوم في ذاكرتنا، وإحياء لملائكة الأخلاق والمحبة والتسامح في داخلنا. قبل رمضان بأسبوع استمتعت بقصة الشاب فهد عبدالرحمن الشمراني (20 عاما) الذي كان يدرس في بريطانيا اللغة الإنجليزية لبضعة أشهر، إذ لاحظ في طريق عودته منذ الأيام الأولى لوصوله بلدة برايتون التي كان يدرس فيها وجود رجل على مشارف الأربعين من عمره ينام على الرصيف ويلاحق باقي الطعام الذي يرميه المارة في مستوعبات القمامة برفقة كلب. لم يتحمل فهد المنظر وخنقته عبرة الألم الإنساني حتى ترك لدمعة شفقة أن تأخذ طريقها دون خجل من عينيه، وقطع عهدا على نفسه أن يشتري كل يوم وهو في طريق عودته طعاما للرجل وكلبه، واستمر الشاب يعطف على الرجل لمدة 10 أيام واستوقفه ليسأله: لماذا تطعمني وكلبي؟، فرد عليه: «واجب إنساني وديني». فرد عليه: لقد أرسلتك السماء، ما هو دينك وبلدك؟ وهنا بين له فهد أن دينه الإسلام، وبلاده التي يفخر بها واستغرب الرجل، ورد بسؤال: ولكن الذي أعرفه أنكم لا ترحمون إلا الذين من نفس دينكم وهو دين قتل كما سمعت؟ ضحك فهد حتى قهقه وخاطبه: إن ديني ومجتمعي لا يعرفون هذه الثقافة فنحن شعب متسامح نحب الناس باختلاف أديانهم وألوانهم. ذهب الشاب واستمر في عادته يوميا، وذات يوم ممطر تذكر فهد صديقه الذي ينام وكلبه على الرصيف وكيف سيكون حالهم، واستل مظلته منطلقا إليه، وما أن وصل حتى استغرب أن الرجل تحت المطر ومظلته ينام تحتها الكلب. سأل فهد الرجل عن تصرفه فأكد له أنه يعيش دون أقارب وكان يتمتع بوظيفة مرموقة حتى أتت الأزمة المالية، وطرد من عمله ولم يجد أي طريقة للعيش فاختار الرصيف وتخلى عنه جميع زملائه وأصدقائه إلا الكلب الذي يعيش معي منذ 10 أعوام. سأل الرجل فهد عن السبب الذي دفعه إلى الاطمئنان عليه في تلك الأجواء الصعبة، وتناقشا لساعات تحت المطر.. وقبل أن يغادر الشاب السعودي نظر إليه البريطاني المشرد وقال: «لا أعرف ماذا أقول ولكن لدي سؤال أخير هل دينكم ومجتمعكم يجعلاكما ملائكة؟!». [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 261 مسافة ثم الرسالة