نعرف أن الناس شديدو الحذر في الفصل بين الحلال والحرام في حياتهم العادية وحتى تعاملاتهم المالية، فيلجأون إلى البنوك الإسلامية والاستثمار الإسلامي والبورصة الإسلامية ليقوا أنفسهم من شبهة الوقوع في الحرام باللجوء إلى ما يرونه شرعا مباحا. هذه حالة توافقية من التصاق الدنيا بالدين، فينمو هذا بالتواصل مع ذاك. لكن الغريب، والغريب جدا، أن يتحول رأس المال إلى خصم للدين ليروج نفسه. أقول ذلك مع ما أراه من أعمال فنية تلفزيونية قدمت نفسها على أن الدين خصم لها حتى قبل أن يراها أحد. فهذا المسلسل تم الاعتراض عليه من الأزهر، وذاك أثار حفيظة الإخوان، وثالث رفضته الرقابة الدينية.. إلخ إلخ إلخ. عندما تنظر إلى أي من هذه الأعمال، تظل تبحث عن تلك الإبرة الصغيرة التي أغضبت الجمل الكبير فلا تجد شيئا. ولو بقيت عاما كاملا تعيد مشاهدة حلقة تلو أخرى وفي تأن شديد، فلن تجد أكثر من ترهات لا تستدعي، بل ولا تستحق أن تكون قضية دينية. لقد أدرك المنتجون والمخرجون العرب أن الطريق إلى النجاح يمر عبر إثارة حفيظة الناس في دينهم. وهذه سابقة لم تحدث حتى في أوروبا العلمانية الحديثة، ولا أوروبا الدينية في القرون الماضية. أفهم أن هناك أعمالا جريئة، استطاعت أن تخترق بعض التابوهات التي كان لا بد من اختراقها، دون أن تتعمد استفزاز الدين حتى لو استفزته بالفعل. مثل تلك الأعمال ربما كانت مطلوبة لتجاوز القديم المنقرض، لكني لست اتحدث عنها بل عن أعمال أخرى كل غايتها استجداء غضبة الدين، واستعطاف سخط كبار رجال الدين، طمعا أن يزيد ذلك من شعبيتها ومردودها المادي دون ان يكون فيها ما يستحق أن يشاهد. هل وصل الأمر إلى الحد الذي بتنا نؤمن فيه بأن كل ما يخاصم رجال الدين هو في صالحنا؟. لم يصل الأمر إلى هذا الحد بعد، لكننا في الطريق إليه ولا شك. فهناك من يريد القول بأن ما يقدمه من عمل جريء إن هو إلا خدمة للمجتمع بعيدا عن التعصب الديني، فيما هم يعلمون أنه لا يريد سوى خدمة عمله ونفسه وجيبه فقط. هؤلاء المنتجون شياطين حقيقية هربت من أصفادها، كما وصفهم كاتبنا جاسر الجاسر، فهم يرتكبون جريمة في حق الأجيال الجديدة، التي تكبر أمام شاشات التلفزيون التي لا تنطفئ، وتشرب ثقافتها من ومضاته، دون أن يدركوا بأن سموما تتسرب ببطء إلى دمائهم هي أكثر دمارا من أي غزو أو عدو. [email protected] للتواصل إرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو زين 737701 تبدأ بالرمز 258 مسافة ثم الرسالة