لا يعنيني أن يكون الغناء محرما أو مباحا، فلست بالشحرور الذي يتباكى على الغناء ليصدر ألبوما، ولا بالمتشنج الذي لا يسمع الأغنية الجميلة الشجية، لذلك لن أصفق لمن أباح الغناء فقط حبا بالغناء، ولن أهتف لمن خالفه أو طعن بفتواه إن كانت تصنف من الفتاوى.. لكنني أتساءل لا لشيء إلا لأنني مسلم في مجتمع تربى أهله على احترام العالم وتقديس الدين، وتصديق الفتاوى لعقود قبل أن أكتشف أن استفتاء القلب وأعمال الفكر والعقل ربما يكشف ما يخفى أو يلتبس علي من الأمور دون أن ألغي رأي من هو مختص وأعلم مني في مجاله، ودون أن أسلم عقلي للآخرين. ومنبع التساؤل خطيب جامعنا، وأجزم أن مثله كثر عندما قال وهو يحتج بشراسة على إباحة العالم الإمام الدكتور الكلباني للغناء، داعيا (ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا)، ويتلوها بقوله (اللهم طهر أسماعنا من الغناء).. والخطيب لا يزال يدرس الماجستير في الجامعة الإسلامية، وسبق أن عارض بشراسة آراء العالم الدكتور أحمد الغامدي حول الاختلاط، وصلاة الجماعة، مستغلا حقه المطلق في أن يقول ما يشاء على المنبر دون أن يملك أحد حق الاعتراض على رأيه أو مناقشته فيه. من هنا تنطلق التساؤلات حول مخرجات الجامعات الدينية والأفكار، والمنهج الذي تلقنه لطلابها الذين سيقودون الأمة الإسلامية مستقبلا وينشرون أفكار الإسلام. والغريب أن خطيب جامعنا ما فتئ يردد على أسماعنا بأن لحوم العلماء مسمومة. وأنا هنا لن أقع بذات الخطأ، فأهرف بما لا أعرف، خاصة أنني أكره السموم بكل أنواعها، ولا زلت أرجو الله أن يمد في عمري بصحة وعافية بعيدا عن لدغات الثعابين والعقارب، وأن يرزقني علما نافعا وعملا يرضاه.. لكنني مواطن يملك على الأقل حق السؤال والبحث عن الحقيقة، خاصة أن كثيرا من الاجتهادات التي حاصرتنا عقودا معتقدين بصدقها، بدأ البعض يكشف أنها تستند إلى أدلة واهية أو أن سندها باطل من أساسه. وهنا كشر بعض المؤمنين في مدرسة «إن لم توافقني الرأي فأنت خصمي وعدوي» عن أنيابهم، متصورين أن زمام عقولنا لا يزال بأيديهم يشكلونها على هواهم دون إرادة منا وأن علينا السمع والطاعة فقط. في ظني أن المستقبل يحمل الكثير من المفاجآت، لذا علينا أن نحرر عقولنا من سطوة من نصبوا أنفسهم وصاة علينا.