في أحد المطارات استوقفني منظر شاب يمشي خلف الكرسي المتحرك لوالدته المسنة، يدفعه أحد العمال دون تدخل منه، حين اكتفى بمتابعتها حتى دخلت إلى صالة السفر، ولم يكلف نفسه حتى مجرد الدخول معها، أو توديعها!. لقد رسخ هذا الموقف مقولة إننا نعيش زمن الجحود في علاقاتنا بوالدينا، التي كانت تعد في الماضي أمرا مقدسا لا يجب التقصير فيه. وفي الوقت الذي نقرأ ونسمع العديد من القصص المؤلمة؛ فإننا نستغرب ما يقابل به الوالدين من عقوق الأبناء لحد القطيعة أحيانا دونما أسباب، والتي لو افترضنا جدلا وجودها فإنها ليست مبررا لهذا العقوق. لنتأمل معا قوله تعالى بعد أن أمر بالإحسان إلى الوالدين: «وإن جاهداك على أن تشرك بي شيئا فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا» (لقمان،15)، وكما نعلم فليس بعد الشرك ذنب، مما يؤكد عظم مكانة الوالدين، وضرورة صحبتهما وطاعتهما بالمعروف في كل الظروف والأحوال، مع ملاحظة أنه لم يسبق لأحد أن دعاه والداه للشرك؛ فجل ما يطلبانه التقدير والرعاية عند الكبر. ولنتساءل: لم ربط الله تعالى عبادته بالإحسان للوالدين حين قال «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ؟ (الإسراء،23) لأن البر بالوالدين عمل عظيم، وفضيلة كبيرة لا يقدر عليها إلا القليل، وطريق أكيد إلى الجنة بإذن الله. كيف يرضى بعض الأبناء لأنفسهم أن يكونوا عاقين لآبائهم إرضاء لأهوائهم، أو لأزواجهم؟ وكيف تسمح لهم أنفسهم بنهرهما، وقد نهانا الله تعالى ألا نقول لهما حتى كلمة (أف) ؟ دونما تفكير بأن عقوبة العقوق مقدمة في الدنيا قبل عقوبة الآخرة، وأن ما تقدمه لوالديك من خير أو شر ستجد عقوبته على يد أبنائك مستقبلا، لأن الجزاء من جنس العمل. ويروى في الأدب اليوناني أن أحد الآباء كان يجلس مع ابنه الشاب في الحديقة يراقبان الطيور حين سأل الأب ابنه: ما هذا؟ رد الابن: عصفور، ثم أعاد الأب السؤال مرة أخرى وابنه يرد عليه بانفعال قائلا: إنه عصفور. عندها أحضر الأب دفتر يومياته وأمره بقراءتها، فقرأ التالي: اليوم بلغ ابني الثالثة من عمره، وقد رافقته للحديقة، وأخذ يسألني عن الطيور، ورددت عليه إحدى وعشرين مرة، احتضنته فيها بكل حب وسعادة، ودون تذمر!. أيها الأبناء، تذكروا مقدار معاناة الآباء والأمهات ليوصلوكم إلى ما أنتم عليه، ولا تعاملوهم بمبدأ المعاملة بالمثل، وتأكدوا أنكم مهما قدمتم لوالديكم فلن توفوهم حقهم. وأخيرا.. لا تنسوا نزلاء دور الرعاية الاجتماعية من الآباء والأمهات الذين يقاسون لوعة القطيعة، ومرارة العقوق من أبنائهم!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 272 مسافة ثم الرسالة.