حين تشاهد المتسولين أمام إشارات المرور في نفس الوقت ترى الدوريات الأمنية أمام نفس الإشارة دون أن يحدث شيء أو يهرب المتسولون، فأنت أمام مشهد فيه الكثير من «الفنتازيا»، مما يجعلك تتساءل: هل رجل الأمن أنهكته مطاردة المتسولين في ظل غياب الشؤون الاجتماعية، أم كلاهما، الدوريات الأمنية والشؤون الاجتماعية، أنهكا لكثرة المتسولين، أم أن الأمر مرتبط بشهر رمضان ويخاف رجل الأمن ورجل الشؤون أن يلقيا القبض على المتسولين فيخسرا حسنات؟ لن أضع المتسولين في سلة واحدة، وسأبعد تجار التسول الذين يوظفون الأطفال والنساء رغما عنهم ليتسولوا، وفي نهاية اليوم تؤخذ الأموال منهم ويتم حشرهم في غرفة صغيرة استعدادا لعمل الغد المنهك والشاق، فهؤلاء يستحقون المطاردة لسجنهم وتحرير الأطفال والنساء منهم. وسأتحدث عن البسطاء الذين دفعوا لمد يدهم بحثا عن لقمة يسكتون فيها جوعهم وجوع أطفالهم، فهؤلاء بعضهم الضمان الاجتماعي لا يشملهم رغم عجزهم، لهذا ليس لديهم خيار سوى التسول أو السرقة، ولو كنت رجل أمن سأغض الطرف عنهم ليس خوفا بقدر ما هو تعاطف مع أشخاص إن لم يتسولوا سيسرقون. هناك فئة أخرى يشملها الضمان لكنها تتسول؛ لأن راتب الضمان لا يكفي لإسكات بطون أسرة مكونة من أم وخمسة أطفال طوال الشهر، لهذا تلجأ هذه الأسرة للتسول كبديل عن الموت جوعا. ثمة فئة ثالثة الضمان يكفيها إلى حد ما، أو يحميها من إراقة ماء وجهها، لكنها تضطر للتسول؛ لأن راتب الضمان لا يأتي إلا بعد دخول رمضان، كذلك الضمان عودهم على ألا ينتظروا راتب ما قبل العيد، فمنذ سنوات وراتب الضمان لا يأتي قبل العيد، وهم يتسولون من أجل ثوب جديد لأبنائهم حتى يفرحوا كالبقية. كل هذه الأمور مجتمعة تدفع للتسول، وهذه الظروف تجعل مطاردة المتسولين نوعا من أنواع الظلم، وإن كان ولابد من المطاردة، علينا مطاردة الضمان وسؤاله: لماذا لا تصرف الرواتب قبل رمضان وقبل العيد، أم هذه الفئة لا يحق لها أن تحتفظ بماء وجهها، لا يحق لأبنائها أن يفرحوا؟ ما يثير الحزن فوق كل هذا، إعلانات بعض الجمعيات الخيرية الموجهة للخارج التي تجمع أموال الداخل وترسلها للخارج لمساعدة الفقراء، وتنسى الداخل الذي هو أقرب وأحق، وربما بعد أن ينتهي الفقر بالداخل يمكن لهم مطاردة الفقر بالخارج، وسيقال لهم: «الله يقويكم وتنهوا الفقر بالعالم أيضا». للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 127 مسافة ثم الرسالة