كتب الدكتور عيسى الغيث يوم الاثنين الماضي في صحيفة المدينة مقالا أراه مهما بعنوان (الفتاوى الشاذة المسكوت عنها)، وفيه يشير إلى أن النقد العام الذي يوجه إلى بعض الفتاوى فيصفها بالشاذة، ينحصر في الفتاوى المبيحة لما كان محرما في وقت من الأوقات، أما الفتاوى المحرمة لما هو مباح في الأصل، فلا يذكرها أحد ولا ينسب إليها تلك الصفة، ويسرد قائمة طويلة من الفتاوى المحرمة التي شاعت خلال القرن الماضي ولم يعد يعمل بها اليوم، بعد أن باتت لا يرى أحد فيها شيئا من التحريم أو الشبهة وذلك مثل الفتاوى التي تحرم ركوب الدراجة الهوائية في الليل واستخدام الهاتف والراديو والبرقيات وتعليم البنات ولبس ساعة اليد للرجال والتصوير الفوتوغرافي وغيرها، وهي في بعضها فتاوى صادرة من (علماء كبار) في عصرهم. هذه المسألة التي يلفت د. العيسى النظر إليها؛ استوقفتني منها نقطة جوهرية وهي أن بعض الفتاوى (الشاذة) صادرة من علماء كبار! وهذا يعني أن (الكبار) هم أيضا يقعون في الفتاوى الشاذة، فكيف يمكن أن نوفق بين هذه الحقيقة والاجتهاد في بلوغ الحق؟. هذا السؤال يقودني إلى سؤالين آخرين مقلقين، أحدهما، ما مواصفات العالم الكبير؟ والآخر، هل كون العالم (كبيرا) يجعله مطلق الرأي فيما يقول فلا يحق لغيره من (ناشئة) العلماء أو غيرهم الاستدراك عليه أو مخالفته أو البحث والتجديد والإضافة؟ لو أخذنا تلك الفتاوى المحرمة لما يعد الآن حلالا مباحا، لوجدنا أنها تدل من جهة، على الجهل بطبيعة ما حرم وانحصار المعرفة في دائرة ضيقة، كما تدل من جهة أخرى، على تسرع في إصدار الأحكام التحريمية قبل التحري والاطلاع والتأمل الدقيق والشامل. والخطر في صدور مثل هذه التفاوى المحرمة التي تكاد تكون الآن موضع تندر من البعض، هي أنها قد تؤدي إلى فقد الثقة بما يصدر من أحكام فقهية مبيحة أو محرمة فتتولد الشكوك في النفس، فكما أن المحرم بالأمس صار مباحا اليوم، ما الذي يؤكد أن ما هو محرم اليوم لن يكون مباحا في الغد؟. وهنا نجد أن الحاجة عظيمة إلى أن يكون من يتصدى للفتوى، ليس ضليعا في العلوم الشرعية وحدها، وإنما أيضا ضليع في علوم العصر ومخترعاته ونظرياته ومذاهبه، كي تكون معرفته بشؤون الحياة شاملة متكاملة، فمن يصدر فتواه وهو يجهل عمل آلة جديدة، أو مضمون فكرة فلسفية، أو منهج إجرائي لأمر ما، مكتفيا بما عنده من معرفة بعلوم الشرع، هو كمن يحلق بجناح واحد، لا يضمن لنفسه السلامة من الوقوع، ووقوعه لا يضره وحده وإنما هو يضر أمة تتبعه وتقتدي بفتواه. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة