هل تذكرون (نجود علي)، ربما يذكرها كثيرون ولكن كثيرين أيضا لا يرغبون حتى في سماع اسمها من جديد. نجود هي الطفلة اليمنية التي زوجت وهي بعمر العاشرة لرجل في الثلاثين حسب ما تناقلته وكالات الأنباء العالمية سنة 2008م، ولكن ملفات المحكمة التي شهدت مرافعات قضيتها تؤكد أن عمرها كان ثماني سنوات فقط. وفي الحالتين فقد اغتيلت براءة الطفلة بشكل لم تشهده حتى الأفلام السينمائية التي تصنف بحروف تمنع من في عمر نجود من مشاهدة بعضها. شهرين من الجحيم عاشتهما الطفلة نجود في بيت زوجها الذي اعترف أمام المحكمة في وقت لاحق بأنه كان يواقعها جنسيا مواقعة الأزواج وإن رفض الاعتراف بضربه المبرح لها هو وأفراد عائلته لإجبارها على الرضوخ والتسليم بالمصير المحتوم. ولكن الطفلة لم تتقبل ما كان يجري لها فهربت إلى بيت أهلها بعد شهرين من الزواج لتتعرض من جديد للضغط من والدها للعودة إلى جحيم بيت الزوجية من جديد، ولكن الله سخر لها (زوجة أبيها) التي كانت أرحم من والديها لتنصحها بالذهاب مباشرة للمحكمة وإقامة قضية طلاق، وهذا ما حدث، حيث وصلت إلى المحكمة وأخذت تدور في الردهات لا تدري ما تفعل حتى قابلتها مواطنتها المحامية (شذا ناصر) التي استمعت إلى قضيتها وتطوعت للدفاع عنها وقدمتها للقاضي (محمد القاضي) الذي كان رحيما شهما ومتعاطفا فضمها إلى عائلته واستضافها في بيته لحين استدعاء والدها وزوجها إلى المحكمة التي اعترف فيها الزوج بما كان يجري لها من الناحية الجنسية ورفض باقي الاتهامات، أما الأب فقد دافع عن نفسه بأن لديه 13 ولدا وبنتا غيرها وأنه مدين ولا يستطيع حماية بناته حيث سبق أن خطف أحدهم إحداهن فاضطر لتزويجها منه، وخطف آخر ابنة أخرى له كانت متزوجة ولديها 4 أطفال فألقت السلطات القبض على خاطفها وأودعته السجن. المهم أن قضية نجود تفجرت عالميا والتقطتها هيئات حقوق الإنسان والمنظمات العالمية المدافعة عن حقوق المرأة مثلما التقطت من قبلها قضية المرأة الباكستانية المسلمة (مختار ماي)، التي كتبت عنها سنة 2005م مقالة في هذه الزاوية، والتي تزوجها شخص انتقاما من أخيها الذي أقام علاقة محرمة مع أخته وسلمها برضاه لحوالى عشرة من أقاربه يتناوبون اغتصابها علنا في الشارع على مدى يومين وسط هتافات وتصفير الجماهير المحتشدة. ومثلما أنصف العالم الحر (مختار ماي) وأجبر الجهات المختصة على الاقتصاص من مغتصبيها، أنصف نجود وحولها إلى رمز عالمي للبراءة المغتصبة ومحفز قوي لحماية حقوق المرأة والطفل في دول (العالم الإسلامي) للأسف الشديد. وكانت النتيجة أن انعقد مجلس النواب اليمني وأقر قانونا يحدد السن القانوني للزواج ب17 عاما، وذلك رغم اعتراض نواب حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمين) الذين رفضوا القانون وحرضوا نساء على القيام بمظاهرة احتجاجية للضغط في سبيل منع صدور القانون الذي صدر فعلا. ومن أسوأ الممارسات في قضية نجود هو الكذب والخداع الذي أحاط بها فقد تم إقناعها بأن عقد الزواج لا يعني دخول الزوج بها أسوة بالسلف الصالح بحيث تبقى في بيت أهلها حتى تبلغ السن المناسبة للبناء بها، ولكنها وجدت نفسها تساق بعد أسبوع واحد من العقد سوقا إلى بيت زوجها الذي لم يتورع عن اغتصاب براءتها بكل تجبر ودون وازع من ضمير. فمن المسؤول عن مسح أدمغة هذه الفئة من الناس الذين يفترض بأنهم (بالغون راشدون) وبسط لهم جريمة اغتصاب براءة الأطفال وانتهاك حرماتهم بدعوى الزواج؟! وكما في حالة (مختار ماي) التي اختارتها المجلة النسائية الأمريكية العالمية (جليمور) سيدة للعام قبل عدة سنوات، فقد اختارت نفس المجلة نجود إلى جانب محاميتها شذا سيدتين للعام 2008م وهو نفس التكريم الذي نالته من قبلها أشهر النساء في العالم من أمثال كونداليزا رايس وهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية التي وصفت نجود بأنها (واحدة من أعظم النساء اللاتي قابلتهن .. لقد جعلت من نفسها مثالا يحتذى لبنات جنسها في الشجاعة). والحقيقة إن الطفلة نجود هي فعلا مثال يحتذى في الشجاعة والمشاعر الإنسانية الجياشة، فبمجرد كسبها لقضية الطلاق أعلنت في قاعة المحكمة على الملأ أنها لا تحمل والدها أية مسؤولية عما جرى لها وأنها تحبه وتطيعه وتعرف أن الفقر هو دافعه الأساسي للإقدام على تزويجها بهذه الطريقة، ولذلك قررت أن تعود إلى بيته وتنضم إلى باقي إخوتها لمواجهة ظروف الحياة القاسية. بقي أن نعلم أن ناشرا فرنسيا التقط وقائع مأساة نجود ونشر بلغته كتابا سنة 2009م يوثق فيه معاناتها ويسجل ذكرياتها المؤلمة تحت عنوان «اسمي نجود، عمري عشر سنوات، ومطلقة». ومن عائدات الكتاب ساعد الناشر نجود وعائلتها على بناء بيت من دورين وعلى فتح محل بقالة لوالدها في الدور الأرضي يدر عليهم قدرا من الرزق، كما ساعدها في تحصيل دخل يكفي لاستكمال دراستها التي تنوي الاستمرار فيها حتى تصبح محامية تدافع عن بنات جنسها. ورغم سحب جواز سفر نجود ومنعها من حضور مؤتمر نسوي عالمي في فيينا/النمسا كان من الممكن أن يعود بخير عليها وعلى أهلها، إلا أنها عادت بقوة لتتصدر واجهات وسائل الإعلام العالمية من جديد ابتداء من مارس 2010م الماضي شهر صدور النسخة الإنجليزية من كتابها الذي تعلو غلافه صورتها والعبارات التي قالتها هيلاري كلينتون عنها، ولقد تم استقبال الكتاب بترحاب كبير ومراجعات جادة في كبريات الصحف والبرامج الحوارية العالمية، ومنها مراجعة لكاتب الرأي في نيويورك تايمز (نيكولاس كريستوف) الذي قال «ربما تثبت فتيات صغيرات مثل نجود فعالية تفوق فعالية الصواريخ في إلحاق الهزيمة بالإرهاب والقضاء عليه».. والغريب في الأمر كله هو حجم الإهمال وعدم المبالاة الواضح في العالمين العربي والإسلامي في التعامل مع قضايا من نوع قضية نجود لنراها تتكرر يوما بعد يوم حتى في بلادنا التي شهدت إحدى محاكمها قضية من هذا النوع حاولنا التعتيم عليها قدر المستطاع ولكنها مازالت تتفاعل في العالم وسترتد بالتأكيد على سمعتنا وهيبتنا ما لم نتحرك جديا على مستوى رابطة العالم الإسلامي لإيقاف مثل هذا العبث غير المسؤول في مصائر الأطفال. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة