حول محمد صالح «موقده» إلى معمل صغير يمثل بالنسبة إليه مصدر قوته وقوت عياله، ولا زال يحافظ عليه من الاندثار لأكثر من عشرة أعوام، من أجل توفير لقمة العيش الكريم لأسرته. يتكون معمله البدائي والذي لا يحتاج منه إلى شهادة أو مذاكرة من ماسورة صبة وجرة مصنوعة من الصلصال وجذع مجوف من شجرة الأثل إضافة إلى خزان أرضي «زير». يقول محمد الذي يحمل يوميا فأسه أمام الدخان الكثيف وألسنة اللهب ورائحة القطران المحروق: كنت أعمل مع المعلم يحيى عمر صاحب الخبرة الطويلة في هذا المجال، أتلقى تعليماته المستمرة ولم يبخل علي بنصائحه وتوجيهاته من بداية تركيب المصنع وحتى كيفية استخراج «الشوب والروب». وأضاف: تمر الصنعة بعدة مراحل منتظمة كل مرحلة مرتبطة بالأخرى وأي خلل في أي واحدة منها، لا يكون هناك نتائج أو محصول، ففي البداية تجلب الأخشاب من أشجار خاصة ومعروفة منها شجر الأثل وشجر صومال الذي يجلب من المناطق الجبلية ويعد من أفضل أنواعها، وكذلك شجر القفل الذي يجلب من أماكن بعيدة, وهو غير متوفر مثل أشجار الأثل, فيمايشترط أن تكون هذه الأخشاب ناشفة، ثم تقطع الأخشاب الناشفة إلى قطع صغيرة وتوضع في براميل صغيرة وبعد تعبئتها بالكامل توضع فوق الموقد المشتعل لينتج بعدها بخار ينتج منه سائل أسود يتجمع عن طريق التقطير في خزانات أعدت خصيصا لهذا الغرض ويترك حتى يبرد. وينقسم هذا السائل إلى نوعين: نوع خفيف يسمى «الشوب»، ونوع ثقيل يقع في أسفل الخزان يسمى «الروب» ثم بعد ذلك يعرض للبيع حسب المواصفات، حيث يصل سعر الجالون منه 200 ريال، ومنه يباع بسعر 20 ريالا وسط إقبال كبير عليه من أصحاب المواشي والأغنام والإبل كعامل تدفئة لها في أيام البرد، خاصة عندما تدهن جلودها منه فيحميها من الحشرات والجراثيم وبعض أمراض الحساسية. ورغم هذه الأعمال الشاقة يؤكد محمد: «لا زلت وفيا لهذه المهنة ولن أتركها وعلاقتي بها مستمرة لأن بواسطتها تكونت أسرة كبيرة وما زال دخلي منها مصدر رزق لها، وكما قالوا: «صنعة في اليد أمان من الفقر».