يبدو أن ظاهرة «شخصنة» الشأن العام التي تسود في مجتمعنا وتتسبب في العديد من الأضرار، تتخذ أشكالا متعددة ومتنوعة تجعلها في بعض الأحيان والحالات مخادعة لا يكاد المراقب يعرفها، وفي بعض الأحيان والأحوال تبدو على درجة من الوضوح إلى درجة الابتذال، وهذه الخاصية «الحربائية» لفيروس الشخصنة هو الذي على هذا المستوى الكبير من الانتشار. ويستمد فيروس الشخصنة قوته من ثقافة المجتمع التي تمده بالغذاء، وتحصنه بالترياق اللازم لمقاومة كل وصفة علاجية تحولها النظم والقوانين، بمعنى أنه يستعصي على العلاج لأنه يتغذى من الرصيد المعرفي والسلوكي للمجتمع وقيمه وتقاليده الراسخة، وهذا فيما نرى من أخطر أنواع فيروسات الشخصنة لأنه يتغلغل عميقا في نسيج المجتمع وثقافته، وبالتالي فإن وصول الجرعات العلاجية لمكامنه تبدو في غاية الصعوبة. وواحدة من تجليات هذا الفيروس تتمثل في «المحسوبية»، حيث يتم تعيين الأقارب وذوي الصلة بجميع مشاربهم في وظائف قد لا يمتلكون الكفاءة اللازمة لها، وغالبا بالطبع ما يتم هذا على حساب من هو أجدر بالوظيفة، ومن هو أكثر حاجة إليها من أبناء الوطن. وفي مثل هذه الأحوال فإن المسؤول عن تعيين الموظفين في المرفق المعني يتصرف في المرفق العام بعقلية صاحب «المرفق» كما لو كان هذا المرفق ضمن أملاكه الشخصية أو ضمن موروثاته الجهوية التي أوكلت إليه إدارة المرفق العام، ويجد هذا السلوك تعبيرا واضحا له في الأمثال الشعبية التي تقول «عسى لك مع القوم ابن عم» . ما يعني إن كان لك فيهم ابن عم إذا فأنت المحظوظ بمؤازرته لك كي تنال ما تريد وتبتغي في المرفق المعني وإلا فالباب «يفوت جمل» كما يقول إخواننا في مصر، وإلا «أكبر ما في خيلك أركبه» أو «طق راسك في الجدار» أو «اشرب من البحر» . ولا يقتصر الأثر السلبي لمثل هذا السلوك والمتمثل في إخلاله بمبدأ العدالة في توزيع وإتاحة الفرص بين المواطنين في التوظيف بالتساوي وفق معايير الكفاءة والقدرة فحسب، بل إنه يتسبب في عدم استقرار المؤسسات وإشاعة القلق والخوف في نفوس العاملين في المرافق العامة بسبب سيف «الإقصاء» المسلط على رؤوسهم، مما يفسد المناخ الصحي داخل المؤسسة وذلك لأن تغيير المسؤول في المرفق ومجيء مسؤول جديد يحل محله، سيحدث هزة زلزالية في مفاصل الجهاز الوظيفي يطيح برؤوس ليحل محلها رؤوسا جديدة ، ولك أن تتصور الربكة ومناخ القلق والخوف الذي يصاحب عملية الإحلال والتبديل في الجهاز الإداري القيادي في المؤسسة.. وواقع الأمر فإن عدم استقرار المؤسسات وما يترتب عليه من إخفاق في تحقيق الأهداف يعتبر واحدا من أهم إفرازات «شخصنة» السلطة الإدارية، وتغييب المؤسساتية ونظمها. ولكن وبرغم كل ذلك، من ذا يزعم بأن فيروس الشخصنة داء غير قابل للعلاج ؟!. وأنا أقول «في ظل ترسيخ المنهج المؤسساتي الواضح كفيل بالقضاء على داء الشخصنة». والله المستعان. * أكاديمي وكاتب سعودي www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة