قد تبدو في ظاهرها للوهلة الأولى قضية شخصية، ولكنها ليست كذلك بأي حال من الأحوال، بقدر ما هي قضية عامة، تعكس في أكثر من جانب سوء الفهم الذي يلحق أضرارا عامة في حق كثيرين من أبناء الوطن. وبعيدا عن «الشخصنة» فإن واحدا من أبناء الوطن ممن حظوا بالمكرمة الملكية بالابتعاث للدراسات العليا في الخارج، استطاع أن يحقق تفوقا دراسيا وسلوكيا متميزا، تقدم الطالب لوظيفة معيد في إحدى الجامعات السعودية العريقة وتم إجراء كافة المتطلبات من مقابلة شخصية وغيرها من مصوغات الاختيار أثناء تواجده في المملكة في إجازته السنوية وعاد إلى مقر بعثته وبعد عدة شهور تم إشعاره بقبوله معيدا في الجامعة وطلب منه الحضور إلى المملكة لإكمال إجراءات التعيين التي تتطلب حضوره وإلا سيترتب على عدم حضوره فقدانه لفرصة الحصول على الوظيفة، فبادر بالاتصال بالمحلقية التعليمية التابع لها من خلال إرسال بريد إلكتروني للملحق شخصيا يطلب منه مساعدته بإصدار تذكرة سفر للمملكة وأرفق لسعادة الملحق صورة من قرار التعيين. لا يحتاج الأمر إذن سوى تدخل حاسم وشجاع من الملحق التعليمي في ذلك البلد، لاستخراج تذكرة سفر للطالب ريثما تصل موافقة وزارة التعليم العالي والتي لن تمانع بالطبع، طالما اختارته الجامعة معيدا فيها، وقد أصبح ممن يتمتعون بهذا الحق حسب نظم الوزارة، إلا أن الملحق تلكأ بحجة أنه يجب أن يخاطب الوزارة ويأخذ موافقتها. من ناحية روتينية يبدو موقف الملحق سليما ولا غبار عليه، ولكنه من زاوية أخرى «مطالب»، ودعنا نشدد على «مطالب» هذه، بأن يكون «صاحب قرار» ، لأنه يعتبر من ناحية «ولي أمر» للدارسين على نفقة الدولة وغير الدارسين على نفقتها من أبناء الوطن في الخارج، لأنه ينوب عن «ولى أمر» الوطن والمواطنين في تلك الدولة، حيث تم تكليفه للقيام بهذا الواجب نيابة عن راعي الوطن والمواطنين. السؤال هنا: لماذا غاب هذا البعد لوظيفته عن ذهنه ؟!. السبب بسيط للغاية، وهو أي السبب هذا يعكس خللا ما في مفهوم مستويات المسؤولية، ويفسر في الوقت نفسه العديد من الإخفاقات الإدارية. السبب في رأيي يكمن في خلطنا بين وظيفة «القائد» الإداري وبين وظيفة «التنفيذي» الإداري، لأننا نعتمد معيارا غريبا في تعيين من يحتلون مواقع القيادة، إذ نعتمد في ذلك على شهاداتهم الأكاديمية وسيرة تدرجاتهم الوظيفية في مجال تخصصهم العلمي، رغم افتقار الواحد منهم لمواصفات «القيادة» والتي هي في الأساس تعتمد في المقام الأول على القدرات الذاتية، وقد نجدها عند أشخاص لم ينالوا شهادات عليا في تخصصات بعينها، ولنا في التاريخ والواقع المعاصر والمعاش أمثلة ساطعة. ومن أهم هذه القدرات الذاتية ملكة القدرة الشمولية ورؤية الصورة الكلية، والقدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب حسب القراءة الصحيحة للواقع، دون الحاجة لانتظار، إذن من المرجعيات العليا طالما القرار يبدو سليما، وأن يكون على استعداد لتحمل مسؤولية قراره وإقناع الآخرين بصحته. وفي هذا الصدد تجدنا نفعل العكس، إذ نضع صاحب الخبرة والكفاءة الذي تخصص في مجال معين في موقع قيادي هو غير مؤهل له، لأنه ببساطة لا يمتلك مواصفات القيادة، وفي هذه الحالة فإننا وبدون قصد نكون قد أضررنا بمصلحته حين نحرمه من مواصلة السير والتطور في مجال تخصصه الذي برع فيه لندخله في نفق وفي مأزق وفي موقع لا يعرف كيفية التصرف فيه، فتقع منه القرارات الخاطئة، أو لايجيد اتخاذها في التوقيت والظرف الملائمين، وفي نفس الوقت نكون قد ألحقنا الضرر بمصالح من يتعاملون مع الجهاز الذي يديره وبالجمهور الذي يقدم خدماته لهم.. وإذن فنحن نلحق الضرر بمصالح وأهداف موقعين: موقع تخصصه الذي برع فيه، والموقع الذي وضعناه فيه، في حين أنه لا يعيب صاحب التخصص في شيء ولا يقدح في كفاءته في مجال تخصصه، بل هو أكرم له أن يبقى في موقعه حيث يستفيد خبرة وتطويرا لقدراته التي نحن في حاجة ماسة إليها. * أكاديمي وكاتب سعودي www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة