عندما كتب الإمام جعفر الصادق كتابه «التوحيد.. الأدلة على الحكمة والتدبير والرد على القائلين بالإهمال ومنكري العمد» في القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي)، أراد به أن يكون ردا على أراجيف الدهريين في عصره، المنكرين لرب العالمين، الذي تولى كبرهم آنذاك شخص يدعى «ابن أبي العوجاء»، فألزمهم بالحجة فيما جهلوا من الأسباب والمعاني في الخلقة، وفيما قصرت أفهامهم عن تأمل الحكمة في صنوف خلقه تعالى في البحر والبحر، ودحض شبهاتهم بزعمهم أن الخلائق في الكون لا صنعة فيها ولا تدبر ولا حكمة من مدبر ولا صانع، وحشد من الأدلة الكثير على وجود الله ووحدانيته وتفرده بالخلق، فأبرز قدرة الخالق تبارك وتعالى وحكمته في خلق العالم والسباع والبهائم والطير والهوام وكل ذي روح من الأنعام، والشجر المثمر والحبوب والبقول والمأكول، ما يعتبر به ويسكن إلى معرفته المؤمنون، ويتحير فيه الملحدون. بعد 12 قرنا من وضع هذا الكتاب، جاء مدير دار الحديث وإمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة، في عام 1376ه (1956م) بتحقيقه والتعليق على حواشيه وإصداره، دفعه إلى ذلك، كما أورد في مقدمته، ظهور شخص نكرة يريد أن يعرف بالكفر، ويظهر بإنكار وجود الله تعالى، فرأى أن الحاجة ملحة لنشر هذه الرسالة القيمة، ثبيتا لإيمان من يقرؤها بفهم وروية، وإظهارا لآيات الله في الأنفس والآفاق، وقد أعاد ابنه (عبدالرزاق) إصدار الكتاب الذي يقع في(150 صفحة) من القطع الكبير في طبعة جديدة فاخرة، بعد من نصف قرن من طبعته الأولى. ولعل المتصفح للكتاب يبدو له من الوهلة الأولى أنه غير مغر للقراءة، كون أن حقيقة التوحيد محسومة، وأن الكتاب ككثير من كتب الأقدمين مليء بالروايات والعنعنة والاستطراد، لكن مجرد الولوج في له تشعر أن محققه بذل جهدا كبيرا، فوفق لإخراجه بتعليقات علمية معاصرة، وعلم حديث، وطريقة عرض جاذبة، دعم فيها ما أراده مؤلفه من ترسيخ حقيقة الوحدانية وشواهدها البارزة في الإنسان والكون والحياة.