تحبو الأيام مقتربة من يوم الاستفتاء حول تقرير المصير في جنوب السودان. وبالتأني في قراءة سيناريو الواقع هذه الأيام تشعر بأن هناك من قفز على النتائج وجعلها تبدو وكأن الانفصال أصبح المآل الحتمي لجنوب السودان. تجأر بعض الأصوات منادية بالانفصال جنوبا وشمالا، بيد أنها في زيادة في أوساط الجنوبيين، وهناك من حكماء الجنوب يقدمون خيار الوحدة، مدركين تماما أن تقسيم السودان من شأنه أن يفضي إلى مأزق قاري أفريقي يجتر المبدأ القديم «فرق تسد» وهزاته الارتدادية مطالبات بالانسلاخ من الجسد الأم للدولة المعينة، وهناك الكثير من الأمثلة التي تنتظر تجربة جنوب السودان ومخرجاتها. ويبدو أننا سنطرح تساؤلا قد لا نعتبره تغريدا خارج السرب، إذ يذهب خبراء ومحللون أن أوضاع مسلمي جنوب السودان تبدو ضبابية إن ركن الجنوبيون إلى خيار الانفصال. فإن أرست اتفاقية السلام إطارا نظريا مثاليا للتعايش بين الأديان، هناك شعور عاما ينتاب مسلمي الجنوب بأن الاتفاقية تجاوزتهم أسوة بالغير، والممحص للمبادئ والحقوق العامة في فحوى الاتفاقية والممارسات الحالية على أرض الواقع، يستبين أن ذلك الشعور لم يأت من فراغ. وعلى الرغم من بدء حكومة الجنوب تحركا لتسليم مسلمي الجنوب ممتلكاتهم عبر جمعيات تمثل المجتمع المدني، بعدما اتفق المسلمون على شخصيات مسلمة تمثلهم، فضلا عن انعقاد مؤتمر في نوفمبر المقبل 2008 لاختيار قيادة إسلامية تدير شؤونهم، فهناك مخاوف وقلق بين عدد من قيادات المسلمين بالجنوب خصوصا في ظل تعرض أوقافهم للنهب في الجنوب وتصاعد حالة العداء لهم من قبل قيادات جنوبية استئصالية انفصالية متطرفة. وكانت مسودة اتفاق نيفاشا قررت أن تؤول مؤسسات المسلمين إليهم لتدار عبر منظمات المجتمع المدني بعيدا عن دواوين الحكومة والسياسة على اعتبار أن اتفاق السلام نص على علمانية الحكم والمؤسسات التنفيذية بالجنوب. قد آن الأوان، وعلى الحركة الشعبية أن تبحث لها عن مانديلا جديد عطفا على مقولته : «إننا نقتل أنفسنا عندما نضيق خياراتنا في الحياة»، وعليها أن تتجاوز رحيل زعيمها الدكتور جون قرنق، وأن تعترف بأنها قد فشلت فيما أراد الراحل أن يحققه، وأنها قد فقدت بوصلتها التي كانت ستوصلها إلى مرافئ الأمان، في ظل فقدانها لعرابها الدكتور منصور خالد. على الحركة الشعبية أن تعي أن تداعيات الانفصال لن يتحملها الشمال وحده، وعلى الأقل أن الشمال لن يدخل في حروب قبلية. وستصبح أكثر القبائل الجنوبية تضررا من عملية الانفصال هي قبيلة الدينكا. فبعد الانفصال ستتجيش معظم القبائل الجنوبية ضد قبيلة الدينكا، ولن تقف هذه القبيلة ذات المكانة والنفوذ العاليين موقف المتفرج بل ستدافع عن مكتسباتها، وقد يستفحل الأمر إلى مطالبة سكان مدينة جوبا الأصليين بضرورة نقل رفات الراحل جون قرنق من مدينتهم، وبذلك يحتدم أوار الحرب القبلية. إن توخينا صدقا، فقد تعب الشمال وضاقت الصدور، ولا يريد، صادقا، أن يركن إلى المبدأ الطبي حين يفسد جزء من الجسم فيوصي الأطباء بضرورة بتره لضمان سلامة بقية الجسم. فرغم مكانة ذلك الجزء في الشماليين، فالجنوب ومسلموه عزيزون عليه، وصعب أن نقول: «لا بد مما ليس له بد». [email protected]