بعد تردد لم يستمر طويلا قررت مديرة البنك الشابة الخروج من العمل لتناول الغداء في مكان غير مألوف هذه المرة. وهكذا وجدت نفسها في الشارع القريب تتجول وتلاحظ الناس والدكاكين. وفي نهاية الشارع اكتشفت أن سوق السمك القريب من البنك يمكن أن تتناول فيه وجبة من السمك المشوي مع باقي الفقراء والعمال. وفي الحال اتخذت مكانها في إحدى الطاولات المتواضعة ووصلها طبق الأسماك المشوية بعد ثوان قليلة..كان السوق الضاج بالباعة والزبائن من كل مكان مغريا ليس للأكل فقط بل للفرجة والتأمل كذلك. راحت المديرة التي لم يمض على تعيينها سوى شهور بسيطة، والتي تعاني من مشكلات لاتعد ولا تحصى مع موظفيها الكسالى والمحبطين، والذين يهربون دائما من العمل ولا يردون حتى على الهاتف إذا رن !. راحت المديرة تطالع هذه الحركة في السوق التي لاتهدأ.. أسماك تطير في الهواء لأمتار ثم تعود لتسقط في يد عامل الشواء الذي يلتقطها ببراعة ويصفها على سطح الفرن لتستوي بعد دقائق، ثم يمسك سمكة أخرى ويطيرها مرة أخرى وكأنه لاعب سيرك. وتشاهد أيضا بائعا ماهرا يمسك سمكة كبيرة ويحرك فمها ويفتحه ويغلقه ويصدر أصواتا وكأن السمكة هي التي تتكلم. كانت المتعة لا تنتهي عند المديرة وهي ترى أيضا بائعا آخر يكلم الأسماك مدعيا أن واحدة منها قد عضته في يده وأخرى ابتسمت له.. وبائع آخر يضحك مع الأطفال ويدعوهم للمشاركة في البيع عبر وضع الأسماك في الأكياس وهو يلاعبهم ويضحك معهم ويقول لهم: انظروا هذه السمكة بلا ذيل ولا أطراف ولكنها تضحك دائما ! أعجبتها اللعبة وتلك الحيل والألاعيب التي لاتنتهي في سوق السمك. وأعجبت بأفكارها العبقرية والبسيطة وقررت أن تسأل أحد التجار عن سر لعبة السمك هذه. فقال لها أحدهم: لا سر ولا حاجة، كل مافي الموضوع أننى اجتمع مع العاملين عندي كل فترة، وأسأل كل واحد فيهم ماذا تفعل لوكنت الرئيس أو المدير ؟، وأستمع إلى رأي كل واحد فيهم لمدة دقيقة فأحصل على ثروة من الأفكار وعلى حماس كبير في المشاركة في صناعة القرار.. لم تنتظر المديرة طويلا فأفكار سوق السمك الجهنمية لا تحتمل التأجيل مع موظفيها الكسالى. ففي الحال اجتمعت مع موظفيها جميعهم وسألتهم نفس سؤال تاجر السمك: ماذا تفعل لو كنت مدير البنك؟ وفي لحظة طار الكسل وشحذت الهمم ودب الحماس في الجميع. وجاءت الأفكار والاقتراحات كالسيل وراحت تسجلها بسرور وفرح لايوصف. وإذا كانت الأفكار الجميلة في كل مكان اليوم فالمهم أن نعرف أن المشاركة نحتاجها في كل مكان أيضا. [email protected]