لكل من نجوم وأساتذة جيل الرواد في الإعلام المحلي خصائص خاصة، استطاع بها أو عبرها صنع تميزاً لاسمه، ومكانة أبقته في وجدان الناس والمتابعين. ويلحظ المتابع أن غير صاحب الكاريزما إلى جانب الموهبة، ليس له مكان في دنيا الإعلام. في الإذاعة السعودية التي شهدت نجاحات غير عادية تجاوزت فيها توازن لعبة الإمكانات المادية والإبداع، وبالتالي تنفيذ هذا الإبداع «الأمر الذي يجعلنا نتأكد تماما أن من يريد أن يعمل هو غير المتحجج بضعف الإمكانات بضروبها المختلفة». فؤاد سندي أحد الأسماء البارزة التي تعاطت العمل في الحياة الإعلامية المحلية التي صنعت لها، ولإعلام بلادها الكثير من طموح. كان لا شك أكبر مما حقق بكثير، لكنه جهد المجد الذي يريد أن يقدم كل شيء، واستطاع بالجد والاجتهاد والحب أن يكون الاسم الإذاعي والوجه التلفزيوني الجميل والوسيم الذي خطف أكبر نسبة ممكنة من وسامة مذيعي تلك المرحلة في السبعينيات الميلادية، في وقت كان التلفزيون يحتاج مذيع المنوعات المدرك والموهوب والوسيم، فأطل سندي تقديما بصحبة الراحل ورائد الصحافة الفنية الفعلي جلال أبو زيد معدا في برنامج «ألوان» الذي يعتبر واحدا من أوائل البرامج في البث الملون، عندما أطل علينا نظام «سيكام» الفرنسي في البث الملون قبل اعتماد النظام الحالي «بال». مراحل عملية عديدة تنقل فيها فؤاد سندي معتدا بلغته الإنجليزية الأميز بين زملائه، وبنشاطه الأكثر روعة الذي أوصله إلى منصب مدير البرنامج الأوروبي في إذاعة جدة. من هو فؤاد محمد عباس محمد إسماعيل سندي المعروف اختصارا فؤاد سندي، ولد في مكةالمكرمة 1366 ه (1946)، هو ابن أحد أشهر المطوفين، وحفيد شيخ المطوفين، وهو أكبر إخوته ثم الراحل البروفسور عبد الله (توفي في العام 2007) وشقيقات أربع ميمونة وفاطمة، وتعيش في الولاياتالمتحدة في شكل دائم كل من فائقة والدكتورة عائشة، أما أولاد فؤاد سندي فهم على النحو التالي: وائل (يدرس في إستراليا علوم طبية ويتزوج هذا الأسبوع)، ألاء (متزوجة أستاذة في كلية دار الحكمة)، محمد، فرات، وغدق. درس في الرحمانية والعزيزية في مكةالمكرمة، ثم انتقلت الأسرة إلى جدة، حيث واصل دراسته في الثغر في جدة واستفاد كطالب من التربوي الكبير محمد فدا، وقبله من عبد السلام الساسي، ثم انقطع عن الدراسة لعشر سنوات لرعاية والدته وإخوته ليعود مواصلا دراسته في المعهد الوطني. سندي استفزه موقف في مستشفى جدة الوطني القديم في مطلع حياته العملية، إذ طلب كشاب ليتحدث مع الطبيب غير العربي إلا أنه عجز عن ذلك، فطلب من لبناني حضر الموقف، ففعل، هنا يقول فؤاد سندي: استفزني الموقف جدا، كان ذلك في يفاعتي فكنت من أوائل المبتعثين من قبل الإعلام إلى أمريكا للدراسة، وبعد عام تبعني كثيرون منهم محمد أحمد صبيحي، ومحمد حيدر مشيخ، وطارق ريري، وأحمد حريري وغيرهم». وكان ابتعاثه في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله، ثم أعيد قبل اكتمال دراساته العليا بطلب من وزير الإعلام يومها الشيخ إبراهيم العنقري رحمه الله، وبعد العام 1975 في عهد الملك خالد وعده الدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام بابتعاث يكمل فيه مشوار علمه أكاديميا. عاد من دراسته في الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1980 التي بدأها في العام 1973، حيث حضر الماجستير «الإدارة الإعلامية» إنتاج إذاعي وتلفزيوني من جامعة university of southern California وكان الطالب الوحيد فيها الذي يحصل على جائزتها التقديرية للمتفوقين «trogan»، عندما عاد وضع أمامه خيار مواصلة العمل الإعلامي، ووجد أمامه إعلانا في صحيفة ما.. عن حاجة محطة تلفزيون أبها لمذيع في المرتبة التاسعة، ودخل المسابقة مع نحو عشرين متقدما للوظيفة، وحصل عليها، وخلال أيام ثلاثة بدأ عمله، لكنه لم يواصل طويلا، فعاد إلى جدة، وكلفه حسين العسكري بقسم الإخراج في إذاعة جدة إلى أن أصبح مديرا عاما للقسم الأوروبي والإذاعات الموجهة في المواسم مثل تلك الناطقة بالفارسية والإندونيسية وغيرهما. محطات أبرز محطات حياة سندي العملية تكليفه وزميله الدكتور علي النجعي بافتتاح محطة تلفزيون المدينةالمنورة، عندما كانت محطات التلفزيون تبث منفردة من مختلف المدن الرئيسية في المملكة قبل البث المركزي، وعن هذه المرحلة يقول سندي: «كنت أول مذيع يطل من محطة المدينةالمنورة، وكنت والزميل النجعي نبذل جهدا كبيرا، حيث كان كل منا يتحمل جهد يوم كامل من العمل الإعلامي والفني، وكل ما هو مطلوب من المحطة». ومن ذكرياته أيضا، أنه أوقف عن العمل مرارا كان منها في برنامجه التلفزيوني «ما يطلبه المشاهدون»، حيث قدم للسيدة أم كلثوم في أغنيتها الخالدة من أشعار الأمير الراحل عبد الله الفيصل «من أجل عينيك»، خاصة في ترديده جملة «استشف الوجد من عينيك» بطريقة فيها الكثير من الرومانسية، وهذا الأسلوب لم يكن مقبولا يومذاك.. ويذكر في ذلك أن أموره المتعثرة بعدها جعلته يذهب للأمير عبد الله عن طريق حارس الأهلي الشهير الراحل ياسين صالح، بطلب إصلاح سيارته ال w b m التي كانت وكالتها لدى الأمير، ولأن تكلفة إصلاحها تصل إلى 2500 ريال، وكان أن أمر باصلاحها على حسابه. ويمضي مستعيدا الذكريات: الإيقافات كانت كثيرة، منها ما كان من محمد حيدر مشيخ عندما كان مديرا للتلفزيون، ولا أتذكر السبب.. عموما معظم إيقافاتي كانت من مصيبتي في زملائي، إذ أن معظمها كانت ترزح تحت نار الغيرة والقهر، ولا أعرف أيضا لماذا؟. ومن ذكرياته عمله في هيئة الرقابة والتحقيق. وعن ذلك يقول: إنه لم يكن يستطيع عمل أي إضافة في مشواره الإعلامي إذا لم يكن مرتاحا وإذا عاش حياة يشوبها قلق. ومن الأخبار غير الجميلة في حياته، إصابته في حادث سيارة حتى أن 4 إلى 5 فقرات من عموده الفقري أصابها انزلاق خطير، فلازم العلاج فترة طويلة. ومن الأخبار السعيدة التي صادفها في مشواره، اهتمام وزير الثقافة والإعلام بجيل الرواد من زملائه، والالتقاء بهم، بل وتخصيص مبلغ إضافي لكل منهم إلى جانب الراتب التقاعدي، وقال إنه رفض الكثير من عروض العودة للإذاعة كمتعاون بعد التقاعد، وإنه لو عاد لما كان يتردد لتوجيه نداء محبة وإعجاب بكل ما يقدمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لهذا الوطن وهذا الشعب. برامج كان لفؤاد سندي قبل تقاعده الكثير من البرامج التي بقيت علامات في مشواره الكبير مع الإذاعة والتلفزيون منها «صباح النور»، وبرنامجه الأشهر «طبيب الإذاعة» الذي استمر نحو عشرين عاما لدرجة أصبح فيها السندي صديقا وطبيبا حميما للمستمعين. وأشهر وأنجح هذه البرامج كان ذلك البرنامج المنوع الذي كان يعده راضي صدوق، وتشاركه التقديم الراحلة شيرين شحاته في الإذاعة، وقراءة الأخبار في الإذاعة والتلفزيون. أما برامجه التلفزيونية فكانت «اخترنا لكم»، و»ما يطلبه المشاهدون»، و«ألوان» الذي كان يعده أستاذنا الراحل جلال أبو زيد، وقد أتاح لفؤاد سندي الالتقاء بأسماء كبيرة منها محمد عبده والراحل عبد الله جفري وبليغ حمدي وغيرهم. مونديال 94 يستحضر فؤاد سندي ذكرياته مع كبير المذيعين اليوم في إذاعة جدة فريد مخلص، قائلا: «بالرغم من تواجدي في أمريكا سنوات عدة بداعي الدراسة، إلا أن أجمل ذكرياتي كانت في مونديال 94 في أمريكا، حيث أولى مشاركات منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم والنتائج المشرفة التي قدمها في المونديال. سافرت أنا والزميل فريد مخلص ممثلان للإذاعة السعودية، أنا عن القسم الاوروبي، وكنت أقدم رسالة إذاعية يومية عن المونديال باللغة الإنجليزية، والزميل المخلص يقدم رسالة إذاعية يومية باللغة العربية، وأذكر أننا سكنا كإعلاميين وفرق الفنون الشعبية في فندق واحد، وسكنت أنا مع الزميل المخلص في Apartment شقة صغيرة مجهزة «من.. إلى»، وفجأة علم الزميل علي داود بوجودنا معا، فحضر وطلب الانضمام إلينا هو والزميل الراحل زاهد قدس رئيس لجنة المعلقين العرب، وكنا نتوزع الأعمال أنا أحضر المشتريات كل يوم وفريد عليه «الطبخ» وعلي يجهز الشاي وزاهد رحمه الله ونظرا لكبر سنه كان ضيف شرف. وأذكر أن المذيع المتألق في التلفزيون ماجد الشبل تواجه ذات يوم بالأستاذ زاهد قدس، فسأله أبو إبراهيم كيف الفطور معاك يا أستاذ ماجد؟ فأجاب: ما في إلا الكوكير والقهوة معدتنا انحرقت من هذا الفطور اليومي؟ فقال له القدسي: أيه رأيك «في سفرة وفيها شكشوكة وفول مكشن بالطماطم والابازير وشعيرية بالحليب».. ضحك ماجد وقال: إيوه إن شاء الله لما نرجع السعودية فرد أبو إبراهيم: أقولك هنا: تقولي في السعودية؟ بكرة إن شاء الله تمر على غرفة «223» وتفطر معنا.. وعندما حضر الزميل ماجد الشبل ذهل من الاستعداد والسفرة المجهزة من ما لذ وطاب وقال: بصراحة آخر ما أتوقعه أن أجد مثل هذا الأكل اللي يرد الروح هنا في أمريكا.. انتم محظوظون بوجود الزميل فريد مخلص معاكم». رز بخاري ويذكر سندي أنه بعد مباراة المنتخب السعودي أمام بلجيكا، وبعد الفوز بهدف سعيد العويران العالمي، رجع إلى الفندق، وجهز رسالته الإذاعية وأرسلها إلى الإذاعة، كذلك فعل مخلص، ويضيف: «تعشينا ونمنا، وعند الساعة الثالثة صباحا جاء الزميل علي داود وصاح في الغرفة: ما شاء الله نايمين.. فأخبرته بأننا اتعيشنا همبورغر، ونمنا.. فرد قائلا: فين فريد وكان الزميل المخلص نائما فأيقظه من نومه، وقال: فايزين وتتعشوا هامبورغر؟.. فرد المخلص، وهو على فراش: يعني أيش ناكل «حاشي»؟ فقال علي: نبغى نتعشى رز بخاري. هنا نهض الزميل المخلص من فراشه، ولبس نظارته، ونظر في علي داود، وقال له: «أنا بدي أعرف أنا هنا أرسلتني الوزارة طباخ لحضرتكم.. ولا مذيع؟ «.. فرد علي بخفة دمه المعهودة: يا أخي مذيع أيه في بالفندق 600 مذيع، لكن ما في إلا طباخ واحد، أنت طباخ المونديال.. فرد المخلص: يا أبو خالد كلنا عيال مكة، وسيبك من البكش المهم وبمساعدتنا للزميل المخلص وأخرج أحدهم الدجاج من الثلاجة، وقام أخر بفرم البصل وقدم المخلص وجبة الرز البخاري، وكانت لذيذة للغاية». ولا ينسى سندي يوم اتصل الدكتور صالح بن ناصر، وهاتف الزميل زاهد قدسي، وسأله: «من من الإعلاميين يريدون مشاهدة مباراة النرويج والمكسيك والتذكرة الواحدة بألف دولار؟، فصعقنا من قيمة التذكرة وذهبنا الى الملعب أنا وزاهد وعلي داود ومحمد الرمضان وخالد دراج وجمال عارف وعدنان جستنية وفريد مخلص لنحضر المباراة.. وكانت الخدمات فيها عشرة على عشرة برفقة الدكتور عبد الفتاح ناظر رحمه الله والأمير نواف بن محمد والأمير الوليد بن طلال.. حقا إنها ذكريات جميلة في مونديال جميل».