يرسل لي (محمد العنزي) صورة إيصال بنكي بعد ثلاثة أيام من استلامه لراتب الشهر. وحتى أريحكم من التخمينات المتفائلة، فرصيده لا يحمل إلا هللات وأصفار ريالات. اختصر محمد قصته مع راتبه في صورة وجملة واحدة: «تفضلوا حياكم الله على الأكل، واعذروني على القصور». ما وراء الإيصال السابق، قصة مضحكة مبكية أخبرني بها لاحقا، فيها معاناة ثلاثة أيام مع «طالبي لحمة راتبه وعظمه» كما يقول، وهي في الأغلب حكاية الموظف السعودي مع دخله الشهري، والتي سأترك لكم التفكير في تبرير تشابهها عند هذا وذاك والآخرين حد التطابق. يأخذ محمد، كغيره، راتبه بلا لحمة الظهر والصدر أو أضلاعهما، فثلثه كما يقول واقع الموظف السعودي يذهب قسط دين لبنك منذ سنوات.. بل حتى سنوات للأمام تحت مغريات القروض التكميلية. تذهب أطراف الراتب الأربعة لسداد أربع بطاقات ائتمانية من بنوك مختلفة، وهنا أجزم أنه لن يتذوق طعم تلك الأطراف وحتى مرقها مادام حيا، فلا نهاية لأقساط تلك البطاقات عند بنوكنا. يقول حال الموظف أن زوجته وأبناءه سيكونون محظوظين إذا اقتصدوا في اقتسام لحمة رأس الراتب ورقبته في الثلث الأول من الشهر، ليجدوا لأنفسهم منها (تصبيرة) في ثلثه الثاني. أما الثلث الثالث فالأكيد أنهم لن يتذوقوا فيه إلا مرقا بالدين الآجل من عند الجار والصديق وعامل بقالة الحي. ستخطف فواتير الاتصال والكهرباء جلد الراتب وشحمه تحت شعار: (إن لم تصيبوا لحما، فالحقوا الشحم). بعد كل هذا النهش، كيف يفكر المسكين؟ هنا ستسمعونه اليوم وهو يطمئن نفسه بحساب الوزن الذي يزيد مع السنوات في جسد ذاك الراتب الهزيل بعد تسمين العلاوات والبدلات، لكن سرعان ما سيكسبه المستقبل قناعة أن كل زيادة هناك سيقابلها بالضرورة والأكيد والمسلم به، جوع طردي وشراسة نهش وقطع ولعق عند أفواه السابقين، هنا سيصبح ذكيا لو سخر تفكيره وتخطيطه لما ينتظره بعد تقاعده: عندما يقف مع انتصاف الشهر لاستلام راتبه بثلث جسد عار بلا علاوات وامتيازات من نافذة (المسلخ). بقيت هللتان في الرصيد: هاتان شعرتان من الجلد تركتا سهوا على أرض السلخ والذبح، وهما دليل يذكره أنه لا يزال موظفا، وليس عاطلا لا يحمل في حسابه حتى الهللات، والأخير سيصير محظوظا جدا جدا إذا تدارك حياته بحساب بنكي يضمن له (علبة سردين) كل شهر على بند الأجور. أتدرون أين المفارقة؟ تأملوا حكايات أولئك لتكتشفوا أنهم ضاعوا في زحمة الأكل، وصار الواحد منهم ينافس على راتبه ليفوز منه ولو بريالات. هؤلاء لم يعد يملكون من الراتب إلا الرقم المكتوب على مشهد التعريف الوظيفي. إنه التخطيط الضائع. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 245 مسافة ثم الرسالة