وضع الفيلسوف الألماني ماكس فيبر الذي مهر إحدى أكبر البصمات على علم الاجتماع في التاريخ الحديث معادلة شائكة لبلوغ مستوى «الحاكم الأصيل»، مؤداها الموازنة بين المبادئ والواقعية، وهي المعادلة التي اعتبرها مأزقا قد يعانيه الحاكم الذي يسعى للجمع بين «أخلاق الإيمان بالقضية» و«أخلاق المسؤولية». لكن فيبر، الذي ودع الدنيا في بداية العشرينيات من القرن الماضي، لم يغلق الباب أمام الإشكالية في علاقة السياسة بالنوعين من الأخلاق للحاكم الذي ينطلق من مسؤولية تقدير آثار فعله ويتسلح بنصيب من الواقعية والانتماء. ولعل ضغطة زر في محرك البحث كفيلة بالإثراء حول من استطاعوا تطبيق المعادلة واستحقوا برؤاهم وأفعالهم نعت «الحاكم الأصيل». ويأتي عبد الله بن عبد العزيز، الملك الذي اعتلى سدة الحكم قبل خمس سنوات وتسلح بالأخلاق، إن لم يك أعاد تجذيرها في ساحة النماذج السياسية الحاكمة اليوم، واحدا من أبرز الزعماء الذين اختطوا معالم للتطبيق الأخلاقي في السياسة الداخلية والخارجية، مرتقيا بالأنموذج الذي شكلته آداب الحكم على مر العصور، فضلا عن إمكانياته الذاتية والإنسانية وخبراته المتراكمة في الحكم، وقدرته على جذب العقول والقلوب معا نحو شخصيته وأدائه في إدارة الدولة وبناء الإنسان وتعزيز اللحمة الوطنية، وفي طروحاته ومبادراته على المستوى الدولي، الهادفة إلى الحوار والمقاربة بين الثقافات والتصدي للإرهاب والإصلاح بين الفرقاء وإشاعة السلام الدولي وتفعيل العمل المشترك لخدمة قضايا الأمة. وهو ما أكسبه مساحات كبيرة في مذكرات العظماء والبارزين المعاصرين لمنهجه وطريقته في الحكم. وكان آخر ما وصف به في تقرير حيادي لصحيفة «هيرالد تريبيون» الأمريكية بأنه «الملك المحبوب شعبيا بذهنيته الإصلاحية، والمحترم دوليا باعتداله وسعيه للسلام». بينما وصفه الباحث الأمريكي أفشين مولافي، مستشهدا بتقرير البنك الدولي، بأنه «ملك الشعب» و«صديق الفقراء» و«الزعيم الإصلاحي الساعي لتوفير الكرامة لأبناء شعبه، ورفعة شأن بلاده». وفي مذكرات «السيدة الوزيرة» لمادلين أولبرايت التي وصفت يوما ب«المناهضة للعرب»، عززت الكاتبة حديثها عن تجربتها مع الملك عبد الله في دهاليز السياسة الدولية بأنه «زعيم ذو هيبة تفرض وجودها على نحو مؤثر... كيّس، لبق، ومهذب». في خمس سنوات.. أعطيت عبد الله بن عبد العزيز فأجزلت، مهتديا بإيمانك ببديع السموات والأرض، مشبعا بحب القاصي والداني لك، معضدا بولي عهدك والنائب الثاني، وبمهارة وإخلاص من اخترت حولك. أنعمت أيها الملك الصادق، إن قلت فعلت، وإن لم تقل فعلت، وإن فعلت فذاك عطف على قولك.. هنيئا بلادي.