تتعاظم متانة اللُحمة الوطنية إيجابيًا عند حدوث النوازل، وتلتئم أواصرها أكثر عندما يحل بها عارض، وهذه نتيجة منطقية لمجتمع تحكمه أُطر أخلاقية استمدتها من المصدر الأساس لمنهجها الذي أعد نظرة متكاملة للإنسان والحياة والكون. هذا المُدخل شاهدت ترجمته واقعيًا على كافة الأصعدة، وفي كل المنافذ الإعلامية، والمناسبة هي خروج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من المستشفى بعد أن منَّ الله عليه بالصحة والعافية، فالمؤسسات التربوية نظَّمت حملات لطلابها وطالباتها لاستنطاق مشاعرهم، وبثها على بياض الصفحات لتُعبر بعفوية متناهية عن أحاسيس صادقة لم تلوثها مصلحة، ولم تدفعها قوة ضاغطة؛ بقدر ما كان منبعها محبة الأبناء البارين لوالدهم الحنون، أما المؤسسات الإعلامية فكانت الجهاز المُعبِّر بالصوت والصورة لكل ما يتعلق بصحة الوالد القائد الذي ما إن تبدأ في بث آخر الأخبار إلا ويصاب الوطن بكامله بشلل فكري سببه تركيزهم على سماع أو قراءة خبر عن مُستجدات الحالة الصحية له -يحفظه الله-، مُعضدًا هذا السكون بالدعاء الحار بأن يرده لنا سالمًا مُعافى. إن هذا التلاحم بين القيادة والشعب لم يكن وليد الصُدفة، ولم يكن -أيضًا- عنوة، ولكنه مُحصلة عطاء مُتبادل توارثته الأجيال، حتى أصبح مضرب المثل في تنفيذ آليات التواصل في سياقها السياسي، ومنهجًا في ردم الهوة المُفتعلة - في أغلب المجتمعات - بين القيادة والشعب. لقد أثبتت هذه النازلة التي ألمت بمليك قلوبنا أن الحب الصادق له هو حُب إلهي مطبوع في خلجات القلوب تجاه قائد بذل نفسه لخدمة وطنه من خلال توفير سُبل العيش الكريم لمواطنيه، والسهر على راحتهم، غير متناسٍ أمته العربية والإسلامية التي عمل ولا زال يعمل على رفعة شأنها، والمطالبة بحقوقها المشروعة في كافة المحافل الدولية التي يكون فيها طرفًا مؤثرًا وفاعلًا، لا حاضرًا مُتفرجًا. إن المصادقة العفوية بين طرفي المعادلة المُشكِلة للكينونة الوطنية مبعثها المواقف الثابتة المُجسِدة للرغبة الملكية الكريمة التي كانت مُحور الخطاب الذي أطل به خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- بعد توليه زمام الأمور إذ قال: أعاهد الله ثم أعاهدكم أن اتخذ القرآن دستورًا والإسلام منهجًا، وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق، وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة، ثم أتوجه إليكم طالبا منكم أن تشدوا أزري، وأن تعينوني على حمل الأمانة، وألا تبخلوا عليّ بالنصح والدعاء. هذا الالتزام الأخلاقي هو الميثاق الذي بُنيت عليه أواصر هذه العلاقة الحميمية في سياقها الاجتماعي، وأثمرت تفاعلًا عفويًا قلما تجده بين الحاكم والمحكوم في عصر تفاقمت فيه الرغبة في تغليب المصالح الذاتية على ربيبتها العامة، فحمدًا لله على سلامة القائد، وكم هي الفرحة التي ستجتاح الوطن عندما ستطأ قدماه أرضه. [email protected]