لم تستطع إحدى السيدات تمالك نفسها من هول ما رأته من آثار تعذيب وضرب لإحدى زميلاتها في العمل، فما كان منها إلا أن أجهشت بالبكاء، خصوصا أن هذا التعذيب من جلد وركل ورفس صادر عن والدها بسبب امتناعها عن إعطائه راتبها لالتزاماتها المالية وعدم حاجته له. وأخرى حادثتني عبر الهاتف تسألني عن الجهة التي تلجأ إليها في ظل تجبر والدها واعتدائه عليها بالضرب، مما أدى إلى إلحاق إصابات بها وإجراء عملية جراحية، فضلا عن حرمانها من الزواج خوفا من أن تمتنع بعد زواجها من إعطائه راتبها. وثالثة والدها حدد سعر مهرها ب 200 ألف ريال لا جدال ولا نقاش فيه (آخر كلام) وربما وضع لوحة (للجادين فقط وبدون وسطاء) والويل لها إن اعترضت أو أبدت رأيا في ذلك، فهي تعلم علم اليقين ما يمكن أن يفعله بها. ولا أريد أن أتحدث عن قضايا زنا المحارم وقصص أخرى كثيرة أتعرض لها سواء من خلال عملي أو من خلال أحاديث المجتمع كلها تصب في فلك واحد وهو انتزاع الرحمة والمحبة والإنسانية من قلوب تلك الفئة من الآباء تجاه بناتهم وما يتعرضن له البنات من تعذيب لم يتعرض له معتقلو القضايا السياسية في العصور الوسطى. والدافع المشترك لهؤلاء الآباء هو المادة، والمادة فقط وتحديدا الراتب. وليت الأمر وصل إلى الحد الذي أصبح فيه بعض الآباء يستثمرون بناتهم ماديا من خلال الاعتداء على الراتب الخاص ببناتهم، بل بلغ بهم إلى حد تعذيبهن بمختلف وسائل التعذيب والفارق أن التعذيب للمساجين في العصور الوسطى بسبب الحصول على اعتراف في حين أن تعذيبهم لبناتهم بسبب الحصول على المادة. فليتنا نعود للعصور الوسطى على الأقل، إنه لا توجد أية صلة قرابة بين الجلاد والضحية في حين أنه وفي عصرنا هذا الجلاد والد الضحية.. فماذا بعد ذلك. * المحامي والمستشار القانوني [email protected]